جمعية تقاطع: محمد جهاد المجدوب من قاعات المحاضرات إلى قضبان الظلم

اعتبرت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، اليوم الأربعاء 28 ماي 2025، أن قضية الطالب محمد جهاد المجدوب، تحمل في طيّاتها عددًا من انتهاكات حقوق الإنسان، أبرزها حق جهاد في محاكمة عادلة، وفي تمتّعه بقرينة البراءة، وحمايته من التمييز بناءً على المظهر.

7 دقيقة

وجهاد هو شاب تونسي في الواحد والعشرين ربيعًا من عمره، يدرس في كلية الطب بصفاقس، في السنة الثالثة من مسيرته الجامعية.

سنة 2023، وتحديدًا بتاريخ 26 سبتمبر، تعرّض محمد جهاد للإيقاف في ولاية القصرين إثر زيارته لأحد أصدقائه هناك، حيث مكث معه لبعض الوقت، ونظرًا لعدم توفر مكان يقضي فيه الليلة، توجّه في ساعة متأخرة إلى أحد المقاهي القريبة منه ليبقى هناك إلى أن يجد وسيلة نقل يعود بها إلى مقر سكناه، ليفاجئ بمجموعة من أعوان الأمن تتوجه نحوه وتقوم بإيقافه دون أي مبرر أو تفسير لذلك.

إذ يروي والد ضحية الانتهاك أن إيقاف ابنه كان بناءً على مظهره الخارجي، خاصة لحيته غير الحليقة، ويؤكد أنها السبب الرئيسي في الاشتباه به.

لم يتم إعلام جهاد بما يقع في حقه، أو لما هو في قبضة الأمن، حيث باشر الأعوان هناك تفتيش حقيبته، ليتم العثور بداخلها على قميص أكد أنه يرافقه دائمًا لأداء الصلاة، إضافة إلى نسخة صغيرة من مصحف.

كما جاء على لسان والد ضحية الانتهاك، أنهم قاموا بافتكاك الهاتف من يدي جهاد بالقوة، وتفحّص محتواه، كما أكّد أنهم قاموا بتثبيت تطبيق “تلغرام” للاطّلاع على ما يمكن أن يكون محفوظًا به، ليتم العثور على بعض القنوات الدينية.

واستنادًا إلى ذلك، تم إعلام فرقة مكافحة الإرهاب بالأمر، ونُقل ضحية الانتهاك إلى تونس العاصمة لمواصلة التحقيق معه، في ظروف لا ترتقي إلى الحدّ الأدنى من المعايير القانونية، حيث تعرّض للهرسلة والتعنيف والترهيب للضغط عليه، علمًا أنه لم يتم إعلام عائلته أو التواصل معها لمدة أربعة أيام.

وهنا تروي المحامية أنه، في أول جلسة سماع لجهاد أمام قاضي التحقيق، طُلب مسح كامل للهاتف وتفحّص جميع ما يتضمنه من بيانات للتأكيد على أن جهاد معتاد على التجوّل في مختلف ولايات الجمهورية كهواية يمارسها، وأنه لم يستعمل التطبيقة المذكورة منذ فترة، وأنها لم تكن موجودة في الهاتف لحظة إيقافه.

 كما تضيف محامية ضحية الانتهاك، أنه تم سؤاله أثناء التحقيق معه عن سبب تواجده في ولاية القصرين وهي ليست بالقبلة السياحية والمتعود زيارتها، حيث أفاد أنه متعود على التجول والتخييم في مختلف المناطق من مختلف الولايات.

وتروي كل من محامية ضحية الانتهاك ووالده، أنه تمت مداهمة منزل محمد جهاد في مدينة صفاقس، حيث تم العثور على سترة مرجّحة. وهي سترة مزوّدة بأوزان، تُستخدم لزيادة صعوبة التمارين الرياضية وتحسين اللياقة البدنية، كما أنها تُباع في المحلات الرياضية المنتشرة في تونس.

إلا أنه تم اعتبارها سترة واقية من الرصاص، واعتُبر أن ضحية الانتهاك بصدد استعمالها لأغراض غير رياضية، في تأويل تعسّفي ودون أي دليل ملموس، وبعد مرور ستة أشهر على إيقافه، صدر تقرير رسمي يؤكد أن ذلك اللباس مخصص لممارسة الرياضة ولا يحمل أي طابع عسكري.

بعد إيداعه في سجن المرناقية، تواصلت الانتهاكات في حق محمد جهاد، حيث يذكر والده أن ظروف سجنه كانت قاسية، إذ تم إيواؤه في زنزانة مكتظّة بالنزلاء، مشيرًا إلى أن ابنه يعاني من ضيق في التنفس ولا يقدر على استنشاق رائحة الدخان، كما ظهرت عليه أعراض الإصابة بالجرب جرّاء الظروف الصحية داخل السجن. إضافة إلى ذلك، يتعرض محمد جهاد لمضايقات متكررة تؤدي إلى معاقبته بالسجن الانفرادي، ومنعه من الزيارة لما يقارب 12 مرة في ظرف وجيز.

إضافة لما صرحت به محامية جهاد، أكد والده أنه تم الحكم عليه ابتدائيًا بـ 5 سنوات سجن، من أجل العزم على والانضمام عمدًا، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية وخارجه، إلى تنظيم أو وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية. كما حُكم عليه بـ 5 سنوات إضافية من أجل العزم المقترن بعمل تحضيري على قتل شخص، وإحداث جروح وضرب، وغير ذلك من أنواع العنف والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وبالموارد الحيوية، والبنية الأساسية، والمرافق العمومية، بالإضافة إلى 5 سنوات من المراقبة الإدارية.

وشددت تقاطع في بيان لها، على أن إيقاف محمد جهاد يأتي دون مبرّر قانوني واضح أو إذن قضائي، وفي ظروف تفتقر إلى الشفافية والشرعية، حيث إن إيقافه كان بناءً على مظهره الخارجي فقط، إضافة إلى معاملته التي كان فيها جانب من التمييز، وهو ما يتعارض مع المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تحظر جميع أشكال التمييز، فضلًا عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تنص في المادة الخامسة منها على المساواة أمام القانون في التمتّع بالحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما اعتبرت أنّ إيقاف جهاد دون إعلامه بسبب إيقافه أو بوضعيته القانونية، يخالف المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على وجوب إعلام الشخص بأسباب توقيفه والتهم الموجّهة إليه، كما أن مداهمة منزله تشكّل اعتداءً على الخصوصية، علاوة على انتزاع هاتفه بالقوة وتفحّص محتواه دون إذن قانوني، وتثبيت تطبيق “تلغرام” عليه، ما يخرق المادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

وأضافت أن انتهاكات حقوق الإنسان المسلّطة على الطالب محمد جهاد تواصلت حتى داخل مركز الاحتجاز، إذ إن تعرّضه للهرسلة والتعنيف والترهيب خلال التحقيق، يندرج تحت المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة المحظورة بموجب المادة 7 من العهد الدولي، كما أن إيقافه لمدة تناهز الأربعة أيام دون إعلام عائلته أو تمكينه من الاتصال بها، يُعدّ احتجازًا سريًا وخرقًا للضمانات الدنيا للمحتجزين، ثم إنّ سجنه في زنزانة مكتظّة، رغم حالته الصحية (ضيق تنفّس) وظهور أعراض الجرب، يخالف قواعد نيلسون مانديلا الدنيا لمعاملة السجناء.

وشددت على أن منعه من الزيارة ما يقارب 12 مرة، يشكّل ذلك انتهاكًا لحقه في التواصل مع عائلته، وهو حقّ يكفله القانون التونسي والمواثيق الدولية حمايةً لحقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم، كما أنه، وحسب ما ذُكر في الشهادات المتعلّقة بالقضية، فإن محاكمة ضحية الانتهاك شهدت تعسفًا في الإجراءات، فاعتبار سترة رياضية على أنها سترة واقية من الرصاص، رغم غياب أي دليل، والإقرار بأنها مخصصة للاستعمال الرياضي، يُظهر تأويلًا تعسفيًا للوقائع.

كما اعتبرت أن الحكم عليه بـ 10 سنوات سجن و5 سنوات مراقبة إدارية، رغم غياب أي فعل يقتضي ذلك، ووسط مختلف انتهاكات حقوق الإنسان المذكورة، يطرح تساؤلات جدّية حول غياب ضمانات المحاكمة العادلة ومدى تناسب هذه العقوبة مع الفعل الذي قام به ضحية الانتهاك.

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​