بلغت نسبة امتلاء السدود التونسية بتاريخ 3 جوان 2025، 40.6 بالمائة وبذلك يصبح مخزونها الجملي 961.55 مليون متر مكعب، وفق معطيات وزارة الفلاحة.
كان المخزون الجملي للسدود قد بلغ بحلول منتصف ديسمبر 2024، حوالي 484.7 مليون متر مكعب، حسب ما ورد في نشرية “اليقظة – ديسمبر 2024″، التي أصدرها المرصد الوطني للفلاحة.
وكشفت النشرية أن سدود الشمال تستحوذ على نسبة 88 بالمائة من المياه المخزنة في حين تبلغ نسبة سدود الوسط ما يقارب 9.7 بالمائة، أما سدود الوطن القبلي فلم يتجاوز مخزونها 1.5 بالمائة فقط.
يوجد في تونس 36 سدّا يتوزع أغلبها بالشمال والوسط، وتشرف عليها الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى، وتبرز أهميتها في تخزين المياه لأغراض الشرب والري ما يجعلها تلعب دورا مهما في الحفاظ على الأمن المائي للبلاد.
🏔️ خريطة السدود في تونس
انقر على أي سد في الخريطة لعرض المعلومات التفصيلية
لكن رغم ذلك تحتل تونس المرتبة 30 عالميا من حيث ندرة المياه مقارنة مع بقية بلدان البحر الأبيض المتوسط، وتم تصنيفها منذ سنة 1995 من بين 22 دولة في العالم دخلت مرحلة الضغط المائي أي أنه يتم استعمال الموارد الجوفية أكثر من طريقة تجدّدها.
أسباب تراجع الموارد المائية
التغيرات المناخية وسوء ترشيد استغلال الموارد المتاحة، من أبرز الأسباب التي جعلت تونس تبلغ هذه الدرجة الحرجة من نقص مواردها المائية السطحية منها والجوفية على حد السواء. حيث شهدت تونس في السنوات الأخيرة تواتر حالات الحرّ الشديد وتسجيل درجات حرارة قصوى تصل إلى 50 درجة مئوية في بعض المناطق في فصل الصيف إضافة إلى أنها تعيش حالة جفاف منذ 5 سنوات متتالية.
أما على مستوى سوء ترشيد الموارد المائية المتاحة فنذكر توجيه 80 بالمائة من الموارد المائية بالبلاد للفلاحة، إلى جانب نسبة ضياع تفوق 30 بالمائة في شبكات التوزيع التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه.
الماء مُبخّس في القانون كما هو مُبخّس عند أي مواطن.. لا نشعر بأهمية الماء إلا إذا فتحنا الحنفية ولم نجد ماء
حسين الرحيلي خبير في التنمية والموارد المائية
يؤكّد الخبير في التنمية والموارد المائية حسين الرحيلي أن مشكل المياه في تونس مرتبط بإشكالية هيكلية متمثلة في خيارات الدولة في هذا الخصوص حيث لم تعمل على خلق ثقافة مواطنية للماء، فمجلة المياه الجاري بها العمل تعود إلى مارس 1975 وبُنيت أساسا على العرض لكن آنذاك كان الماء متوفّرا والوضع مختلف عمّا نحن فيه الآن.
أما الخيارات الصناعية والفلاحية للدولة التونسية فكانت خيارات مبنيّة على تصدير الماء، إذ أن سياسات الدولة لم تنتهج منهج الاكتفاء الذاتي من الحبوب والمواد الأساسية بل اتجهت إلى استعمال المياه سواء في الصناعة لصالح المواد التصديرية أو قطاعات النسيج والجلود والصناعات الغذائية أو في الفلاحة مثل الزراعات المعدّة للتصدير كالبرتقال والفراولة والخس والعديد من المواد الأخرى التي تُعتبر مستهلكة للماء وذات قيمة مضافة ضعيفة، وبالتالي فإن السياسة المائية والخارطة الفلاحية لم تأخذ بعين الاعتبار التغيّرات المناخية، ولم يتم التفكير في تزايد الطلب وتطوّر حاجيات التونسيين للماء.
ويشير الرحيلي إلى أن الدولة منذ سنة 1995 إلى الآن لم تفعل شيئا ولم تغيّر من سياساتها العمومية في مجال المياه، ممّا أوصلها إلى مرحلة الشح المائي، أي معدل المياه للتونسي أقل من 380 متر مكعب في العام أي حوالي أقل من 50 بالمائة من الكمية المطلوبة حسب المواصفات الدولية لكل مواطن.
يعتبر رئيس المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي أن الأزمة المائية التي تعيشها تونس لا تقتصر أسبابها على سنوات الجفاف المتتالية ونقص الموارد المائية، بل هناك إشكاليات حوكمة وإشكاليات هيكلية في قطاع المياه وإشكاليات تشريعية أيضا، مثل مشروع مجلة المياه الذي يراوح مكانه منذ 10 سنوات، ولم يتم التصويت عليه بعد في البرلمان.
تعامل أصحاب القرار في قطاع المياه مع الماء كسلعة تُباع وتُشترى
علاء المرزوقي رئيس المرصد التونسي للمياه
سبب من الأسباب التي ساهمت في حالة الشح المائي بالبلاد، يكشفها المرزوقي، في حين أن الماء يتقاطع مع المفهوم الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي والجندري، وهو ما ينقص أصحاب القرار والمسؤولين عن قطاع المياه لتجاوز أزمة الماء التي تعيشها تونس.
إضافة إلى الأسباب التقنية التي تتمثل في ضعف صيانة المنشآت المائية الكبرى مثل السدود وشبكات توزيع المياه التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، التي يرجعها المرزوقي لنقص الإمكانيات المالية التي “تجعل الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه لوحدها تواجه هذه المشاكل”.
كما يشير إلى الانتدابات في قطاع المياه المتوقفة منذ سنوات، فـ “الماء حاله من حال البلاد، لا يمكن الحديث عن الماء في معزل عن الوضع الاقتصادي للبلاد”.
تحلية مياه البحر.. توفير مياه الشرب بأي ثمن؟
أمام تزايد الضغط على الموارد المائية التقليدية وضرورة البحث عن حلول مستدامة لمشكل ندرة المياه، توجّهت الحكومة التونسية نحو مشاريع تحلية مياه البحر، رغم تحذيرات الخبراء من ارتفاع كلفتها على الاقتصاد التونسي وانعكاساتها البيئية الخطرة.
تتمثل تحلية مياه البحر في عملية إزالة الأملاح من مياه البحر لتصبح صالحة للشرب والاستخدام الصناعي. وتعتبر هذه التقنية حلاّ من الحلول المعتمدة لمجابهة مشاكل نقص المياه في العديد من الدول مثل السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكة.
توجد العديد من الطرق لتحلية مياه البحر، لكن أبرزها هي التناضح العكسي حيث يتم ضغط مياه البحر عبر غشاء شبه منفذ، لفصل الأملاح والشوائب عن الماء، وهي التقنية التي تعتمدها الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه في محطات تحلية مياه البحر التي يتم استغلالها حاليا.
تعتبر تحلية مياه البحر من المشاريع الكبرى للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه وتهدف إلى تحسين التّزوّد وتلبية الحاجيات من الماء الصّالح للشّرب، تحسين جودة المياه الموزّعة، ومواصلة تعزيز وتأمين التّزوّد بالمياه الصّالحة للشّرب بشكل مستدام إلى أفق 2050، حسب ماهو موجود على الموقع الرسمي للشركة.
أنشأت تونس 3 محطات لتحلية مياه البحر وكانت أولها محطة جربة التي انطلقت أشغالها في 2014 ودخلت حيّز الاستغلال سنة 2018، بطاقة إنتاج 50 ألف متر مكعب في اليوم قابلة للتّوسعة إلى 75 ألف متر مكعب في اليوم. يستفيد من هذه المحطة 165 ألف ساكن. بلغت تكلفة إنتاج هذه المحطة 169 مليون دينار تونسي وتم تمويلها من طرف البنك الألماني لإعادة الإعمار (KfW) والوكالة الفرنسيّة للتّنمية (AFD).
وفي جويلية 2024، تم انطلاق استغلال محطة التحلية بالزارات من ولاية قابس بطاقة إنتاج 50 ألف متر مكعب في اليوم قابلة للتّوسعة إلى 100 ألف متر مكعب في اليوم، ويستفيد منها حوالي 1.145 مليون ساكن في ولايات قابس، مدنين وتطاوين. انطلق العمل على هذا المشروع منذ سنة 2019 وبلغت كلفته 371 مليون دينار تونسي وبتمويل مشترك بين الدولة التونسية والبنك الألماني لإعادة الإعمار.
وبعد أشهر، وتحديدا في أكتوبر 2024، تم انطلاق العمل بمحطة تحلية مياه البحر بصفاقس بطاقة إنتاج 100 ألف متر مكعب في اليوم قابلة للتّوسعة إلى حدود 250 ألف متر مكعب في اليوم، والتي سيستفيد منها سكان صفاقس الكبرى. وبلغت كلفة انجازها قرابة مليار دينار تونسي بتمويل الوكالة اليابانيّة للتعاون الدولي.
كما انطلق منذ سنة 2018 العمل على إنجاز محطة لتحلية مياه البحر بولاية سوسة بطاقة إنتاج 50 ألف متر مكعب في اليوم قابلة للتّوسعة إلى 100 ألف متر مكعب في اليوم، سيستفيد منها 7.3 مليون نسمة، بكلفة انجاز تقدر بـ133 مليون دينار تونسي ممولة من ميزانية الدولة.
ومن المنتظر أن تدخل هذه المحطة حيز الاستغلال قبل صائفة 2025، وفق ما صرح به كاتب الدولة المكلف بالمياه، حمادي الحبيب في أوائل شهر جانفي من العام الحالي.
🏭 محطات تحلية مياه البحر في تونس
انقر على أي محطة في الخريطة أو استخدم الأزرار أعلاه لعرض المعلومات التفصيلية
جاري تحميل الخريطة…
اختر محطة للاطلاع على التفاصيل
اختر محطة من الخريطة أو الأزرار أعلاه
انتقادات عدة تُوجّه لاستراتيجية الدولة في تحلية مياه البحر، من الخبراء والمجتمع المدني، بسبب تأثيراتها السلبية على الاقتصاد التونسي وانعكاساتها الخطيرة على البيئة، فضلا عن ارتفاع تكلفة الإنتاج.
تعتمد الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه على نظام موحّد لتسعيرة بيع الماء الصالح للشرب يضمّ ستّة أقساط موزّعة حسب حجم الاستهلاك، تتراوح بين 200 و 2310 مليم.
تعريفة استهلاك المياه في تونس
أما بالنسبة للمياه المحلاّة، يترواح سعر البيع بين 700 و800 مليم، في المقابل لا يقل سعر إنتاج المتر المكعب عن 3 آلاف دينار ويختلف باختلاف المحطة المنتجة.
تكلفة إنتاج مياه البحر المحلاة مقابل سعر البيع
مقارنة تكاليف الإنتاج بأسعار البيع للمحطات التونسية
التكاليف بالمليم لكل متر مكعب
الدعم الحكومي
الحكومة تدعم المياه بنسبة تصل إلى 78% من التكلفة الحقيقية
وإذا ما قمنا بمقارنة تكلفة إنتاج المتر المكعب من المياه المحلاّة بسعر البيع الذي يتراوح بين 700 و800 مليم، نجد أن كلفة الإنتاج لا تتناسب مع سعر البيع، حيث أصبح الماء الصالح للشرب مدعم بأكثر من 3 مرات.
أما على المستوى البيئي، يؤكد الخبير في التنمية والموارد المائية حسين الرحيلي، أن كل متر مكعب من المياه المحلاّة يفرز 1.4 متر مكعب من المياه شديدة الملوحة التي تصل 70 غرام، وبالتالي فإن تأثيرات المياه المالحة على المواقع البحرية ستكون كبيرة و وخيمة في الـ 10 أو 15 سنة القادمة خاصة في المناطق التي توجد بها محطات تحلية، إذا لم يتم وضع سياسة مراقبة دقيقة.
ويوضّح الرحيلي أن منطقة قرقور في صفاقس والزارات في قابس، أين ترتكز محطات التحلية، هي مناطق ذات طبيعة بحرية غير متجددة بشكل كبير وبالتالي فإن الملح الناتج عن عملية التحلية سيستغرق وقتا طويلا وسيكون له تأثيرات كبيرة لذلك يجب وضع برامج دقيقة للمتابعة ليقع التدخل لإنقاذ المحيط البحري في أي لحظة يتم فيها ملاحظة تأثيرات.
للإطلاع أكثر على المخاطر البيئية التي يمكن أن تنجر عن عملية تحلية مياه البحر، تواصلنا مع الخبير البيئي مهدي العبدلي الذي بيّن أن المياه المالحة المركّزة الناتجة عن عملية التحلية تحتوي على نسبة عالية من الأملاح والمواد الكيميائية المستخدمة في المعالجة مثل الكلور ومضادات التكلّس.
وينتج عن ارتفاع نسبة الملوحة في المناطق الساحلية اختلال التوازن البيئي وبالتالي تراجع التنوع البيولوجي لأن ارتفاع الملوحة يتسبب في صعوبة تكيف بعض الكائنات البحرية، كما ينتج عنها أيضا انخفاض نسبة الأكسيجين في الماء مما سيبب نفوق الكائنات البحرية.
ويشدّد العبدلي على أن محطات التحلية تعتمد على الطاقة الكهربائية بشكل مكثّف، وفي تونس معظم المحطات تستخدم مصادر الطاقة التقليدية وهي الغاز الطبيعي، وهذا يؤدي إلى انبعاثات كربونية عالية، والنتيجة زيادة البصمة الكربونية وبالتالي تفاقم الاحتباس الحراري كنتيجة حتمية.
تحتاج محطات التحلية لكميات كبيرة من مياه البحر ما من شأنه التأثير على الأنشطة الساحلية والسياحية مثل الصيد، مثل تقّلص مصايد الأسماك بسبب التغيّرات البيئية التي ستطرأ على المياه، إضافة إلى تأثيرات بصرية وسياحية خاصة أن هذه المشاريع تؤثّر على جمالية المناطق الساحلية في بلاد تًعتبر السياحة فيها ركيزة من ركائز الاقتصاد.
كما يتطرق الخبير البيئي إلى مشكل كيميائي في عمليات المعالجة، حيث يتم الاستخدام المكثّف للمواد الكيميائية والأحماض في مراحل المعالجة والتنظيف، وهذا ينعكس سلبا على البيئة البحرية من خلال تسمّم الحياة البحرية نتيجة تصريف المواد الكيميائية، وتراكم الملوثات في السلسلة الغذائية البحرية.
لا تقتصر أهداف إنشاء محطات لتحلية مياه البحر في تونس على توفير مياه الشرب فقط، بل تندرج أيضا ضمن مشاريع الهيدروجين الأخضر، التي تواجه موجة من الرفض من مكونات مختلفة.
الهيدروجين الأخضر.. “استعمار طاقي” !!
توجد العديد من أنواع الهيدروجين، إلا أن الهيدروجين الأخضر هو نوع يتم انتاجه باستعمال الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عبر عملية تسمّى التحليل الكهربائي للماء لفصل جزيئاته إلى هيدروجين وأكسيجين. ونظرا إلى أن هذه العملية تعتمد على الطاقات المتجددة فإنتاج الهيدروجين الأخضر صديق للبيئة ولاتنبعث منه غازات دفيئة، إلا أن عملية الإنتاج مرتفعة الكلفة وتحتاج إلى موارد مائية كبيرة.
يقول المهندس في الموارد الطبيعية ياسر السويلمي إن “الهيدروجين الأخضر كارثة كبيرة جدا”، فهذه المشاريع التي يتم الترويج لها من قبل الحكومة على أنها مشاريع ثورية وتسويقها على أنها الحل الأمثل، هي ليست كذلك، إذ يكشف تقرير الخطوط العريضة لاستراتيجية الهيدروجين الأخضر أن تونس لن تستفيد من أي قيمة مضافة من هذه المشاريع.
ويوضّح أن هذه المشاريع “تحتاج للكثير من الأراضي لتركيزها، فانتاج 1 جيغاوات من الهيدروجين الأخضر يحتاج 2 جيغاوات من الطاقات المتجددة، و2 جيغاوات تحتاج 2600 هكتارا”.
إضافة إلى أن عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر تستهلك الكثير من المياه في الوقت الذي تعاني فيه تونس من شح مائي، ورغم أنها ستعتمد على تحلية مياه البحر “لكن من الأولى توجيه تحلية مياه البحر للشرب”.
مشاريع الهيدروجين الأخضر لن تضيف لتونس شيئا لا على المستوى الاقتصادي ولا الطاقي
ياسر السويلمي مهندس في الموارد الطبيعية
فهذه المشاريع تًلبّي حاجات الاتحاد الأوروبي الذي يحتاج إلى 20 مليون طن من الهيدروجين الأخضر لكنه ليس قادرا إلا على إنتاج 10 ملايين طن، فأصبح يبحث عن إنتاجه في دول أخرى، وما سيتم انتاجه في تونس موجّه كله للتصدير.
وتعتبر وزارة الصناعة والطاقة والمناجم أن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته في تونس في أفق 2050، تعبّر عن رؤية طموحة ومبتكرة لمستقبل الطاقة في البلاد. علما أن هذه الاستراتيجية تم إعدادها تحت إشراف الوزارة بدعم من التعاون التونسي الألماني، وفق مسار تشاركي شمل كل المتدخّلين من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والجهات الممولة، حيث تتطلع تونس إلى أن تصبح مركزا رئيسيا للانتقال الطاقي في المنطقة، من خلال إنشاء سلسلة قيمة قوية ومستدامة للهيدروجين الأخضر، وفق ما هو موجود على وفق ما هو موجود على الموقع الرسمي لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم.
الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته في تونس
وبتاريخ 29 جويلية 2024، أعلنت الوزارة توقيع 6 مذكرات تفاهم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس، مع مجموعة من الشركات الأجنبية. وتسعى الوزارة من خلال إبرام هذه الاتفاقيات لإنتاج 8.3 مليون طن من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في أفق 2050 منها 2.3 مليون طن فقط موجهة إلى السوق المحلية مقابل 6 مليون طن موجهة إلى التصدير.
من جهته، يشدّد رئيس المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي على أن “الجانب الألماني هو الذي يضغط من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس، ونحن كمجتمع مدني ليس لدينا الإمكانيات ولا القدرة لمواجهة حملات التسويق للهيدروجين الأخضر التي تقدّمه على أساس أنه الحل السحري لتونس في الوقت الذي يتم إعداده لتصدير”.
ويشير المرزوقي إلى أنه عند تحرّك المجتمع للتصدّي لهذه المشاريع كان الرد أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد على تحلية مياه البحر “وهذا يخلق إشكالا في مفهوم الموارد المائية لأن البحر أيضا مورد مائي”.
وانتقد عدم القيام بدراسات حول التأثيرات البيئية والتعتيم من قبل الوزارات المشرفة على هذه المشاريع على الاتفاقيات والعقود ممّا”يخلق مخاوفا”.
ويوضّح النائب ورئيس لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي والصيد البحري بالبرلمان بلال المشري، في تصريح لكشف ميديا، أن المسارات التي اتخذتها وزارة الفلاحة هي مواصلة لسياسات لا يمكن إلا أن تكرّس التبعية الاقتصادية والغذائية ولا تكرّس سيادة على المياه خاصة أنه 80 بالمائة من المياه موجهة للفلاحة في الوقت الذي نعيش فيه عجزا غذائيا لأن أغلب المياه الموجّهة للفلاحة هي موجّهة للتصدير، وهذا يعتبر “تصديرا للمياه وهي جريمة في حق الشعب وحق الدولة وحق الأجيال القادمة”.
ويشير إلى أن التوجّه لتحلية مياه البحر لإنتاج الهيدروجين الأخضر أو ما يُسمّى بمشروع الانتقال الطاقي هو في الحقيقة “استعمار طاقي لأنه سيتم تصدير المياه في شكل طاقة للاتحاد الأوروبي وهي مسألة خطيرة جدا”.
في الوقت الذي يعاني فيه المواطن التونسي من شح المياه المواطن الأجنبي يتمتع بالمياه التونسية بأبخس الأثمان في شكل غلال جيدة، وفي مشاريع الهيدروجين الأخضر سيتمتع بها في شكل طاقة.
بلال المشري، نائب بالبرلمان
ويتابع المشري أن الحكومات المتعاقبة كلها دون استثناء قامت ببيع كل الطاقات البديلة ثم انتقلت في الـ15 سنة الأخيرة إلى بيع المياه، فمشروع الهيدروجين الأخضر “مشروع استعماري بامتياز، يضرب الثروة المائية والطاقة في تونس ويوفّر الطاقة للأجنبي”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن دستور 2022، ينص في فصله 47 على أن تضمن الدّولة الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.
كما ينص الفصل الفصل 48 من الدستور على أنه على الدّولة توفير الماء الصالح للشّراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة.
كيف يمكن الحد من التأثيرات السلبية لتحلية مياه البحر؟
تشكّل تحلية مياه البحر عدة تحدّيات تتعلّق أساسا بالاستهلاك العالي للطاقة وارتفاع تكلفة الإنتاج وتصريف المواد والغازات الملوثة الناتجة عنها. لذلك طوّرت الدول التي تعتمد بشكل كبير على هذه التقنية لتوفير المياه، طرقا وتقنيات للحد من استهلاكها للطاقة وانعكاساتها السلبية على البيئة.
تتمثّل الحلول التي التجأت إليها هذه الدول في بناء محطات تحلية مياه البحر بعيدا عن المناطق السياحية، واستخدام تقنيات ذكية لتقليل الملوحة مثل التخزين تحت الأرض أو إعادة تدوير المياه. إضافة إلى اعتماد الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في تشغيل هذه المحطات.
الدول التي تعتمد بشكل كبير على تحلية مياه البحر مثل السعودية والإمارات هي دول أغنى من تونس ولديها الإمكانيات المادية التي تسمح لها باتخاذ حلول معتمدة للحد من التأثيرات السلبية.
مهدي العبدلي خبير بيئي
ومن بين التجارب الرائدة في مجال تحلية مياه البحر التي تعتمد الطاقات المتجددة نذكر السعودية والإمارات حيث يتم اعتماد الطاقة الشمسية في محطات التحلية، أما في أستراليا فيتم الاعتماد على طاقة الرياح وذلك بهدف تقليل استعمال الوقود الأحفوري الذي يؤدي بالتالي إلى تقليل البصمة الكربونية.
وفي إسبانيا يتم استخدام تقنية التحلية باستعمال الأغشية المتقدّمة التي تقلّل من استهلاك الطاقة وتُحسّن من كفاءة التناضح العكسي. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فيتم العمل على إعادة تدوير المحلول الملحي لاستخراج معادن مثل المغنسيوم مما يحوّلها من نفايات مقلقة ومزعجة إلى موارد اقتصادية.
ويؤكّد العبدلي أنه يمكن استنساخ بعض هذه التجارب وتطبيقها في تونس مثل الاعتماد على الطاقة الشمسية في عملية الإنتاج حيث أن تونس تتمتّع بطقس مشمش، كما يمكن أيضا إعادة تدوير المحلول الملحي لاستخراج بعض المعادن منه.
حلول بديلة لتوفير موارد مائية عوض المياه المحلاّة
يتّفق الخبراء والفاعلين في قطاع المياه الذي حاورناهم في إطار هذا التقرير على أن تحلية مياه البحر يمكن أن تكون حلاّ لشح المياه لكن ليس في تونس باعتبارها بلدا يعاني عجزا طاقيا، كما أنه يوجد العديد من الحلول التي يمكن اعتمادها لتوفير المياه عوض إنشاء محطات لتحلية مياه البحر.
يتّفق العديد من الخبراء والفاعلين في قطاع المياه على أن تحلية مياه البحر يمكن أن تكون حلاّ لشح المياه لكن ليس في تونس باعتبارها بلدا يعاني عجزا طاقيا، كما أنه يوجد العديد من الحلول التي يمكن اعتمادها لتوفير المياه عوض إنشاء محطات لتحلية مياه البحر.
من جانبه يشدّد الخبير في الموارد المائية والتنمية حسين الرحيلي على أن تونس لديها 300 مليون متر مكعّب من المياه المعالجة يمكن أن تتم معالجتها معالجة ثلاثية واستغلالها في الري للتقليل من المياه الموجّهة للفلاحة. كما يقترح تجميع مياه الأمطار في خزّانات وإيصالها للموائد المائية أو إنشاء سدود صغيرة قابلة للاستعمال مع اعتماد تقنيات للتقليل من نسب التبخّر.
يرى النائب بالبرلمان بلال المشري أنه يجب حوكمة المياه الموجودة قبل اللجوء إلى التحلية وذلك بهدف التقليص في نسبة الضياع في شبكات الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، موضّحا أنه في سنة 2024 تم تسجيل 1500 تحرك احتجاجي للمطالبة بالمياه الصالحة للشرب وهو ما يدل على سوء الحوكمة في مجال المياه، وفق تعبيره.
هذه الحلول التي اقترحها المتدخّلون، نجدها أيضا في الدراسات والاستراتيجيات الوطنية، حيث تشير دراسة الأمن الغذائي لتونس وخطة العمل في أفق 2035 إلى أنه يجب الشروع في إعادة تأهيل البنية التحتية المتهالكة وصيانتها مثل السدود والقنوات، وتعزيز استخدام مياه الصرف المعالجة في القطاع الفلاحي وتوعية المواطنين بتقليص الاستهلاك المنزلي الذي ينبغي ألا يتجاوز 350 متر مكعب في السنة للفرد الواحد.
دراسة الأمن الغذائي لتونس وخطة العمل في أفق 2035
من جهة أخرى، تهدف استراتيجية وزارة الفلاحة للمياه في أفق 2050، إلى تقليص كميات المياه الموجّهة للقطاع الفلاحي من 80 بالمائة إلى 70 بالمائة، والترفيع في مردودية منظومات جلب مياه الشرب وشبكات الري لاستعادة 300 مليون متر مكعب من المياه، وهو ما يتطلّب إعادة هيكلة حوالي 30 ألف كم من البنية التحتية بمعدل 1300 كم سنويا. كما تؤكّد هذه الاستراتيجية إعادة استغلال المياه المستعملة المعالجة التي سيبلغ حجمها 600 مليون متر مكعب سنة 2050 في الإنتاج الفلاحي.
وفي إطار العمل على مقاومة التبخّر، تهدف استراتيجية وزارة الفلاحة للمياه في أفق 2050، إلى بناء 31 سدا تلّيا، وحفر سدود سفلية تحت الأرض لتجميع المياه ومنع تبخّرها جراء التغيرات المناخية، وتعرية 8 سدود لتحسين طاقة الاستعاب.
رغم رصد اعتمادات بالمليارات لإنجاز منشآت مائية إلا أن المشاريع لم تنطلق فعليا إلى اليوم
بلال المشري، نائب بالبرلمان
وفي تعليقه على المشاريع التي أعدتها وزارة الفلاحة وتم رصد اعتمادات لها، يفيد بلال المشري أنه رغم رصد اعتمادات ضخمة بالمليارات في ميزانيتي 2024 و2025 تتعلّق بمنشآت مائية مثل السدود، بهدف الرفع من نسبة الإيرادات، إلا أن المشاريع لم تنطلق فعليا إلى اليوم.
وأكّد أن التأخير في إنجاز هذه المشاريع لديه تأثير على المواطن التونسي وعلى المالية العمومية، لأنها لو انطلقت وتم تنفيذها لكانت نسبة المخزون المائي في البلاد مختلفة عما هي فيه الآن.
إن الاعتراف بتأثير التغيرات المناخية على حالة الشح المائي التي وصلتها تونس، لا يتعارض مع مسؤولية الدولة التي لم تستبق الوضع رغم تحذيرات الخبراء والفاعلين في قطاع المياه، ولم تراجع سياساتها العمومية في علاقة بهذا المجال،
فهل تستجيب الآن للتحذيرات المتعلقة بالآثار السلبية لتحلية مياه البحر، أما أنها ستجد نفسها في السنوات القادمة أمام أزمات جديدة؟.
اختبر معرفتك بأزمة المياه في تونس
أسئلة مبنية على الواقع الحالي لقطاع المياه في البلاد
نتيجتك
وصف النتيجة
المسار الزمني لمحطات التحلية
التأثير الاقتصادي والبيئي
العبء المالي
الأثر البيئي
التحدي التشريعي
البدائل المتاحة
مقارنة الحلول المطروحة
التحلية (الحل الحالي)
قيد التنفيذالمميزات:
- حل سريع لنقص المياه
- مياه عالية الجودة
- مصدر مستقل عن الأمطار
العيوب:
- تكلفة عالية جداً
- أثر بيئي سلبي
- استهلاك طاقة كبير
البدائل المقترحة
مقترحالخيارات:
- إصلاح شبكات التوزيع (30% ضياع)
- معالجة 300 مليون م³ مياه مستعملة
- تجميع مياه الأمطار
- ترشيد الاستهلاك الفلاحي
التحدي مستمر
هل ستكون محطات التحلية الحل الأمثل أم أن هناك بدائل أكثر استدامة؟
آراء الخبراء
“الماء سُخّر في القانون كما هو سُخّر عند أي مواطن.. لا نشعر بأهمية الماء إلا إذا فتحنا الحنفية ولم نجد ماء”
“تعامل أصحاب القرار في قطاع المياه مع الماء كسلعة تُباع وتُشترى”
“مشاريع الهيدروجين الأخضر لن تضيف لتونس شيئاً لا على المستوى الاقتصادي ولا الطاقي”
تحذير مهم من خبير يؤكد ضرورة إعادة النظر في استراتيجية الطاقة المستقبلية