شددت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات في بيان لها أمس الخميس 11 جويلية 2024 على أن قضية المواطن فيصل العبيدي، وهو مواطن تونسي أصيل ولاية سليانة موظف بوزارة الفلاحة، تم الحكم عليه سنتان سجناً مع النفاذ العاجل بمقتضى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 على خلفية كتابته لتعليق بموقع فيسبوك تفاعل فيه مع كلام رئيس الجمهورية حول مساهمة المجموعة الوطنية لتطوير القوات المسلحة، ليست إلا حلقة من سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان بتونس، وتواصلا لجملة الأحكام الجائرة على معنى المرسوم عدد 54.
واعتبرت جمعية تقاطع بأن الحكم على فيصل العبيدي بسنتين سجنا على خلفية رأي يعد يمثل انتهاكا آخر ترتكبه الدولة التونسية ومساسا من حقوق الإنسان، خاصة الحق في حرية الرأي والتعبير، وهو حق مكّرس في المواثيق الدولية التي تحمي حقوق الإنسان. إذ تم التنصيص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كذلك في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي ينص في مادته 19 “بأن لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة…. لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.
وأضافت أن الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في مادته التاسعة يشير على أنه “يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح”، أما على المستوى الوطني فالحق في حرية الرأي والتعبير مكرس دستوريا في دستور 2022 في فصله السابع والثلاثين الذي ينص على أن “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”.
كما اعتبرت أن حكم المحكمة الابتدائية بسليانة القاضي بسجن ضحية الانتهاك سنتين مع النفاذ العاجل يتنافى مع مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل المرتكب المكرس بمقتضى الفصل 55 من الدستور التونسي لسنة 2022 الذي يقر بأن “لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني، أو الأمن العام، أو الصحة العمومية، أو حماية حقوق الغير، أو الآداب العامة. ويجب ألاّ تمس هذه القيود بجوهر الحقـوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبررة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور. وعلى كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهاك. “.
وأشارت إلى أن التعليق لم يتضمن سوى تفاعلا مع رأيا عاديا وتفاعلا مع موقف رئيس الجمهورية مما يبين تعارض إيقافه وسجنه مع القيود المنصوص عليها دوليا في المادة 20 من نفس العهد والتي تقر بأن ” تحظر بالقانون أية دعاية للحرب…تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. وأن الفعل الذي قام به ومحتوى التعليق يأتي ضمن ممارسته لحقه في حرية التعبير المنصوص عليه ضمن المواثيق المذكورة أعلاه، وأن سجنه يمثل تواصلا لضرب الحقوق والحريات في تونس وإثناء المواطنين عن التعاطي والتفاعل في القضايا التي تهم الشأن العام.
ويوم الثلاثاء 25 جوان 2024، توجه أعوان فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني إلى مقر سكن فيصل العبيدي القاطن في منطقة ڨعفور التابعة لولاية سليانة، لتسليمه استدعاء رسميا للمثول أمامهم من أجل التحقيق معه، وعند عدم العثور عليه في المنزل آنذاك قاموا بتسليم الاستدعاء إلى شقيقه والذي بدوره أعلم المعني بالأمر. حيث قام فيصل بالتواصل مع الفرقة المعنية ليعلمهم أنه لن يتمكن من الحضور في التاريخ المحدد الموافق ليوم الأربعاء 26 جوان 2024 وطلب منهم تأجيل الحضور إلى يوم الخميس 27 جوان. والذي بدورهم استجابوا لطلبه، وفقا لما روته شقيقة ضحية الانتهاك.
إلا أنه وبتاريخ 26 جوان 2024 تم القبض على فيصل بعد ترصده وانتظار تواجده داخل مقر سكناه من قبل الفرقة المذكورة، حيث تم اقتحام المنزل وتفتيشه دون الاستظهار بأي إذن قضائي يخول لهم القيام بذلك، وبعد إلقاء القبض عليه. تم اقتياده إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بڨعفور من أجل استنطاقه. ليتبين أن عملية إيقافه أتت إثر شكاية أثارتها النيابة العمومية من تلقاء نفسها، موضوعها تعليق كان قد كتبه بموقع فيسبوك مفاده “حضروا رواحكم اللي تساندوا في قيس سعيد باش تتبرعوا بالفلوس لتمويل الميزانية”، ويأتي هذا التعليق في إطار التفاعل مع ما نطق به رئيس الجمهورية في الذكرى الثامنة والستين لانبعاث الجيش الوطني والذي قال فيه ” انه على المجموعة الوطنيّة أن تساهم في توفير الاعتمادات اللاّزمة لتطوير قدرات القوات المسلّحة ”.
وفي 4 جويلية 2024 أصدرت المحكمة الابتدائية بسليانة حكما ابتدائيا يقضي بسجن فيصل العبيدي سنتين مع النفاذ العاجل بمقتضى الفصل 24 للمرسوم 54 لسنة 2022 بتهمة استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار وبيانات تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير والإضرار به والتحريض على الاعتداء عليه، والحث على خطاب الكراهية.