مختصون: تهري المنظومة التربوية وشعور التلاميذ بالغربة داخل المدرسة أديا إلى تأزم العلاقة بينهم وبين المربين

أكد عدد من المختصين أن تهري المنظومة التربوية وشعور التلاميذ بالغربة داخل المدرسة أديا الى تأزم العلاقة بينهم وبين المربين.

6 دقيقة

أكد عدد من المختصين أن تهري المنظومة التربوية وشعور التلاميذ بالغربة داخل المدرسة أديا الى تأزم العلاقة بينهم وبين المربين.
واعتبر المختصون أن تفشي ظاهرة العنف المتبادل بجميع أشكاله بين التلاميذ والمربين داخل المدرسة ناتج عن شعور التلاميذ بالنفور منها وعجز المربين المكبلين بتنفيذ ما جاء في البرامج التربوية المتهرئة عن إعادة جذبهم اليها.
وقالت الأستاذة والباحثة في علم الاجتماع إيمان بن دعدوش، إن شعور الجيل الجديد من التلاميذ بالظلم والقهر بسبب فرض مناهج تربوية وزمن مدرسي لا يحترم خاصياتهم ولا يواكب التطورات الاجتماعية و الحياتية التي يعيشونها، إضافة الى عدم تكافؤ الفرص في ما بينهم، جعلهم يشعرون بضغط نفسي كبير غالبا ما يترجمونه بممارسة العنف والتمرد على الضوابط المدرسية والاجتماعية وخرقها.
وبينت أن مطالب الجيل الجديد من التلاميذ داخل المدرسة لم تعد تقتصر على الحاجيات البيداغوجية فقط وانما تجاوزت ذلك الى حاجيات قيمية أخلاقية يتوقون من خلالها الى الشعور بالاعتراف الاجتماعي تجاههم وبتقدير ذواتهم واحترامهم والانصات اليهم كشرط أساسي لإنجاح العلاقة بينهم وبين المربين.
ولفتت الى أنه مع صعود الفردانية في المجتمعات التي غذاها عالم شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة منها « التيكتوك » و »الفايس بوك » وتركيز المجتمع أكثر فأكثر على المظهر الخارجي، أصبح التلاميذ يتصرفون بدورهم كأفراد داخل المدرسة و كذوات بشرية ، وليس فقط كطلاب علم ،مما جعل دائرة مطالبهم وانتظاراتهم من المدرسة تزداد اتساعا .
ومن جانبه لفت الخبير في التربية البيداغوجية نور الدين بن حميدة الى أن البرامج التربوية التي لا تتجدد ،الا بحساب العقود أحيانا، ليست الا برامج مسقطة على المتعلم الذي لا يجد فيها ما يعنيه ولا ما يعده بنمط حياة مستقبلي مطابق لما يحلم به.
وبين أن المقاربات وطرق تقديم الدروس للمتعلمين تتسم بالتكرار والكلاسيكية و التلقين وتبتعد عن البحث والتجديد والتحديث مما يجعل المتعلم يشعر بنوع من الغربة بينها وبين ما نشأت عليه آليات التقبّل عنده باعتباره من الجيل اللّمسي الذي يحصل على المعلومة بلمسة من هاتفه الخلوي الذكي.
وأبرز أن شبكة الانترنات قد نقلت الجميع وخاصة الأجيال الجديدة (جيل ألفا بالذات وهم مواليد ما بعد 2010) من مواطنين محليين إلى مواطني العالم عبر الأبواب التي فتحتها للتواجد حيثما شاؤوا في الزمان والمكان إذ صارت المعلومة منتشرة ومتاحة للجميع ، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في كل من البرامج التربوية وفي تكوين المدرسين على ضوء جميع هذه التحولات.
وشدد على أن المتعلم أصبح يعتبر البرامج البيداغوجية وطرق تدريسها متخلفة في شكلها ومضمونها عما يعيشه في عالمه المفتوح السريع والقابل للتحديث في أي وقت، داعيا الى ضرورة مراعاة الشرخ الحاصل بين ما يتلقاه المتعلم في المدرسة وما يعيشه عبر الانترنت.
وبين أن الإعلام التونسي ساهم بدوره وبطريقة غير مباشرة في التأثير على سلوكيات التلاميذ سلبا، موضحا أن أغلبية البرامج الحوارية خاصة منها السياسية لا تتردد في تشويه صورة « المسؤول » و « القدوة » عموما ، الأمر الذي يستبطنه الطفل والمراهق ويقوم بمحاكاته في علاقته مع مربيه.
ومن جهة أخرى دعا الخبير الى ضرورة مراعاة السياقات التي يعيشها المعلم وأخذها في الاعتبار أثناء تعليمه ومن ابرزها أزمة كورونا حيث عاش التلاميذ أثناء هذه المحنة ضغطا نفسيا خلف لديهم عديد المشاكل النفسية والسلوكية اثرت على حياتهم المدرسية والاجتماعية.
ومن جانبه بين الخبير في الأسرة والطفولة إبراهيم الريحاني أن العنف داخل المدرسة ظاهرة مجتمعية لا يمكن عزلها عن ما هو سائد في المجتمع وأن حالة الانفلات الموجودة في المجتمع،الذي يعيش تحولا إلى الأسوأ بفعل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ستنعكس بالضرورة على التلاميذ وباعتبارهم جزء منه.
ولفت الى أن الأسرة بدورها تخلت عن دورها في تربية الأطفال و تأطيرهم وتوجيههم فأصبحت العلاقات الأسرية مهمشة ومفككة وتراجعت فيها السلطة الأبوية بشكل ملحوظ، مشيرا الى أن هذه الوضعية أنتجت أطفالا و مراهقين متمردين على القيم والأخلاقية و الضوابط الاجتماعية.
ودعا الخبير الى مرافقة الاسر التونسية في تنمية مهارتها للتكيف مع كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية و الحرص على مراجعة الزمن المدرسي حتى يتسنى للأولياء مجال أوسع للقيام بواجبهم التربوي.
وشدد على ضرورة إيلاء الجانب الثقافي والفني و الرياضي اهتماما كبيرا في حياة التلاميذ باعتباره يشكل محركا أساسيا لتغيير العقول وارساء منظومة محبة للحياة وللتكافل الاجتماعي.
ولفت الى أن اصلاح المنظومة التربوية لن يتحقق الا عبر اعتماد مقاربة شاملة ترتكز على المبادئ الحقوقية وتكافؤ الفرص والمساواة بين جميع التلاميذ وتعمل على إرساء « المدرسة الصديقة » التي تلبي حاجيات الطفل النفسية وتراعي خصوصياته وميولاته .
وبين رئيس الجمعية التونسية للأولياء و التلاميذ رضا الزهروني أن المنظومة التربوية الحالية فشلت في استيعاب مختلف أنواع الذكاءات الكامنة في التلاميذ حيث حكمت على فئة كبيرة منهم بالفشل المدرسي، وهو ما يجعل هذه الفئة اليائسة والمحبطة تحمل مخزونا كبيرا من العنف تتلذذ بتفجيره عندما تسمح لها الفرصة لذلك.
وأضاف أن العديد من المربين لا يترددون بدورهم في تسليط مختلف أشكال العنف على التلاميذ مستغلين في ذلك سلتطهم التقديرية عليهم، معتبرا أن هذا الأمر يعد على غاية من الخطورة لأن انعكاساته وخيمة جدا على نفسية ومستقبل التلاميذ.
واستنكر الزهروني تفاعل جميع المتدخلين مع العنف المدرسي فقط « مناسباتيا » حيث لا يتم التطرق الى هذا الجانب الا مع حصول حالات عنف مدرسية تهز الرأي العام ، داعيا الى ضرورة ضبط استراتجية شاملة ومشتركة ومستدامة مبنية على استقصاء وتشخيص لحالات العنف ودرجة خطورتها وتوزعها الجغرافي ومن ثمة تحديد الآيات المناسبة لمقاومتها حسب خصوصياتها .
وأشار الكاتب العام المساعد للجامعة التعليم الثانوي نبيل الحمروني الى أن نظام التربوي المتهري بصدد فرز العديد من العاهات المستديمة في مستوى المؤسسات التربوية ، مشيرا الى ان المدرسة تلفظ 110 ألف تلميذ سنويا أغلبهم مهددون بالتورط في مختلف السلوكيات المحفوفة بالمخاطر .

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​