جمعية تقاطع: مواصلة اعتقال جوهر بن مبارك في السجن إلى اليوم يُعد احتجازًا تعسفيًا

أصدرت اليوم الاربعاء 27 أوت 2025، جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات ورقة بعنوان "جوهر بن مبارك: حينما تصبح السياسة جريمة تستوجب العقاب" توثّق بالاستناد إلى معطيات دقيقة، سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان التي طالت حقوقه الأساسية منذ اعتقاله في فيفري 2023.

11 دقيقة

وجوهر بن مبارك، أستاذ القانون وقيادي في جبهة الخلاص الوطني، تم اعتقاله يوم 23 فيفري 2023 فيما عُرف إعلاميًا بقضية “التآمر على أمن الدولة” وقد صدر في حقه حكم ابتدائي بالسجن لمدة ثمانية عشر عامًا، حيث أُودِع بدايةً بالسجن المدني بالمرناقية ثم نُقل لاحقًا إلى سجن بلي بجهة نابل. إلى جانب ذلك، صدر حكم بات يقضي بسجنه مدة خمسة أشهر، استنادًا إلى الفصل 24 من المرسوم عدد 54 على خلفية تدوينة انتقد فيها الانتخابات التشريعية لسنة 2022.

واعتبرت تقاطع أن مسار اعتقال ومحاكمة جوهر بن مبارك يشكل سلسلة متواصلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تمسّ بجوهر الحقوق والحريات الأساسية المكفولة في الدستور التونسي، كما تمثل خرقًا واضحًا للالتزامات الدولية التي تعهدت بها الدولة التونسية. ويأتي في مقدمة هذه الالتزامات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إضافةً إلى القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.

وبينت أن إيقاف جوهر بن مبارك على خلفية نشاطه السياسي وتحركاته السياسية المعارضة للسلطة القائمة يُعد انتهاكًا للحق في النشاط السياسي، إذ إنه في تعارض تام مع الفقرة الثانية من المادة العشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تؤكد على حرية المشاركة في الاجتماعات، كما أنه يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، خاصة الحق في حرية التعبير، وهو حق أساسي محميّ في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الفقرة الأولى، والتي تنص على: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. ويشمل هذا الحق حرية مناقشة الشؤون العامة وتنظيم تجمعات واجتماعات سلمية، وانتقاد إجراءات الحكومة ومعارضتها، ونشر المقالات السياسية، وتنظيم حملات انتخابية والدعاية لأفكار سياسية”.

كما اعتبرت أن اتهام بن مبارك بالتآمر على أمن الدولة بسبب اجتماعات ونشاطات سياسية هو تجريم للحق في التجمع السلمي، المكفول في المادة 21 من العهد ذاته. علاوة على هذا، فإن اعتماد قانون الإرهاب كوسيلة للتشفّي من المعارضين السياسيين يُعد تعديًا واضحًا على مبادئ دولة القانون والمساواة، ولا يمثل إلا تراجعًا عن مفهوم سيادة القانون.

وأضافت أن المعاملة التي يتعرض لها بن مبارك داخل السجن هي في تعارض تام مع الحقوق الأساسية التي يتمتع بها كل سجين، وهو ما لا يتماشى مع دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022، في فصله السادس والثلاثين “لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته. تراعي الدولة في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية مصلحة الأسرة، وتعمل على إعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع”.

كما أنها في تضاد مباشر مع المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء المنصوص عليها في القانون الدولي، حيث ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/111 الصادر في 14 ديسمبر 1990 ما يلي: “يجب معاملة جميع المسجونين بالاحترام الواجب لحفظ كرامتهم الشخصية وقيمتهم باعتبارهم من الجنس البشري. لا يكون هناك تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو غيرها، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو الميلاد، أو أي مركز آخر”.

كما تنص هذه المبادئ على أنه: يحق لكل السجناء أن يشاركوا في الأنشطة الثقافية والتربوية الرامية إلى النمو الكامل للشخصية البشرية والحال أن ضحية الانتهاك يفتقد لأبسط حقوقه الأساسية في السجن.

وبينت أن “إثارة دعوى قضائية ضد بن مبارك بناء على تدوينة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيها الانتخابات، وتتم محاكمته وسجنه على إثرها، يُعدّ مسًّا واضحًا بحرية الرأي والتعبير، وهو الحق الذي شدد دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022 على ضمانه، حيث ورد في الفصل السابع والثلاثين “حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”.

واعتبرت أن ما قضت به المحكمة في حق جوهر بن مبارك يتنافى مع مبدأ تناسب العقوبة مع الفعل المرتكب، المكرّس بمقتضى الفصل 55 من الدستور، وبالعودة إلى نص التدوينة، نتبيّن أنها لم تتضمن سوى آراء وأفكار سياسية، ما يُبرز تعارض حكم الإدانة ضده مع القيود المنصوص عليها دوليًا في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  .وإن الفعل الذي قام به يندرج ضمن ممارسته لحقه في حرية التعبير، المنصوص عليه ضمن المواثيق المذكورة أعلاه، وإن سجنه يُمثّل تواصلاً لضرب الحقوق والحريات في تونس، وثنيًا للمواطنين عن التعاطي والتفاعل في القضايا التي تهم الشأن العام.

ويوم 24 فيفري 2023، قامت مجموعة من أعوان الشرطة التابعة للوحدة الوطنية الأولى للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظّمة والماسة بسلامة التراب الوطني، بمعية إدارة الشرطة العدلية، باعتقال الناشط السياسي جوهر بن مبارك، إثر صدور إذن قضائي من قبل النيابة العمومية في الغرض. حيث أصدر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب بطاقة إيداع بالسجن في حقّه، إثر استنطاقه بتاريخ 25 فيفري 2023، حيث وُجّهت له تهمة تكوين وفاق من أجل تبديل هيئة الدولة والتآمر على أمنها الداخلي والخارجي، وهي القضية التي عُرفت إعلاميًا بـ “قضية التآمر على أمن الدولة” والتي اعتُقل فيها تسعة سياسيين، أُفرج عن اثنين منهم، فيما بقي البقية رهن الاعتقال والحكم عليهم فيما بعد بالسجن.

وبعد يومين من التحقيق، أصدر حاكم التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، يوم السبت 25 فيفري، بطاقة إيداع في حق جوهر بن مبارك حيث تم اقتياده إلى السجن المدني بالمرناقية، حيث قضى الأشهر الأولى من سجنه هناك، وفي الأثناء تقدّمت هيئة الدفاع بمطلب الإفراج عنه، إلا أن دائرة الاتهام رفضت هذا المطلب، ثم أعادت الملف إلى قاضي التحقيق، حيث قرّر التمديد في فترة إيقافه لمدة أربعة أشهر إضافية. لتتقدم هيئة الدفاع مرة أخرى بمطلب إفراج في مناسبتين مختلفتين، رُفض كلاهما، كان الأول بتاريخ 28 جويلية 2023، أما الثاني بتاريخ 21 سبتمبر 2023.

في 26 سبتمبر 2023، قرر بن مبارك الدخول في إضراب جوع احتجاجًا على ما وصفه بـ “المظلمة القضائية” التي يقودها قاضي التحقيق بالمكتب 36 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، إضافةً إلى تردي الأوضاع داخل السجن.

وخلال إضرابه عن الطعام، تدهورت حالته الصحية يوم 9 أكتوبر 2023، مما استدعى نقله إلى المستشفى دون إعلام ذويه أو محاميه بذلك. وقد استمر الإضراب لمدة 16 يومًا، قبل أن يقرر تعليقه في 12 أكتوبر 2023.

علاوة على ذلك تفيد محامية بن مبارك في شهادتها لجمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات أن قرار الدخول في الإضراب جاء نتيجة لما اعتبره توظيفًا للقضاء وسوء معاملة في السجن، حيث إنه ممنوع من الحياة الاجتماعية داخل السجن، وذلك على خلفية وصمه بـ “الإرهابي”.

كما تضيف أنه مُنع من تسلّم الكتب التي يتلقاها من العائلة، حيث تسلط رقابة مسبقة من قبل إدارة السجن على الكتب خاصة منها الكتب ذات الطابع السياسي، وكذلك الرسائل الواردة إليه أو المُرسلة منه، علاوة على منعه من مكتبة السجن وقاعة الرياضة، وكذلك من “اللاريا” العامة، وذلك من أجل عزله كليًا عن المحيط.

إضافةً إلى تهمة التآمر على أمن الدولة، أُحيل جوهر بن مبارك على القضاء بتهمة إنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار، أو بيانات، أو إشاعات على معنى الفصل 24 من المرسوم عدد 54، وذلك على خلفية تدوينة انتقد فيها الانتخابات التشريعية لسنة 2022، حيث وصفها بأنها “مسرحية”.

في 13 فيفري 2024 دخل بن مبارك في إضراب جوع ثانٍ استمر خمسة عشر يومًا، قبل أن يقرر تعليقه بتاريخ 27 فيفري 2024. ووفقًا لما أفادت به محاميته الأستاذة دليلة مصدّق، فإنه بتاريخ 24 فيفري لم يتم نقل الضحية إلى قاعة الجلسة، حيث أصدر القاضي حكمًا ابتدائيًا يقضي بسجنه لمدة ستة أشهر. وقد صدر هذا الحكم رغم رفع الجلسة للنظر في طلب التأجيل، ودون تمكين هيئة الدفاع من المرافعة، وهو ما يُعدّ انتهاكًا صارخًا لحقه في محاكمة عادلة.

من ثم، تم تأييد حكم الإدانة في الدائرة الجناحية لدى محكمة الاستئناف بتونس، التي قامت بتخفيف الحكم إلى خمسة أشهر سجن، وذلك بتاريخ 27 ماي 2024، كذلك دون مرافعات الدفاع، وفق ما تؤكده محاميته.

في الأثناء، دخل بن مبارك في إضراب عن الطعام للمرة الثالثة يوم 23 أفريل 2024، وفكّه بعد 22 يومًا، بتاريخ 15 ماي 2024.

في شهر جويلية من سنة 2024، أصدر قاضي التحقيق قرارًا بمنع التداول في قضية التآمر ليزيد بذلك مزيد التعتيم عن القضية وعن الانتهاكات التي تتخللها وهو ما رفضته هيئة الدفاع.

بتاريخ 12 أفريل 2024، قام قاضي التحقيق بختم البحث في القضية المذكورة رافضًا الإفراج عن بن مبارك، على الرغم من انتهاء المدة القانونية للإيقاف التحفظي المحددة بـ 14 شهرًا، مما دفع هيئة الدفاع   إلى اللجوء إلى الأليات الأممية من أجل التظلم والدفاع عن حقوق المساجين السياسيين من بينهم ضحية الانتهاك.

في ديسمبر 2024، تم نقل بن مبارك من السجن المدني بالمرناقية إلى السجن المدني ببلي في جهة نابل، حيث إن ظروف سجنه ببلي لم تختلف عن وضعيته السابقة، إذ بقي ممنوعًا من الكتب والاختلاط مع بقية المساجين.

حُدّد يوم 04 مارس 2025 تاريخ انطلاق الجلسات، إلا أن الجهات القضائية قررت أن تكون الجلسة عن بعد، دون جلبه إلى قاعة المحكمة، الأمر الذي رفضه بن مبارك، مما دفعه إلى الامتناع عن الحضور والمشاركة، ليتقرر تأجيل الجلسة إلى يوم 11 أفريل 2025، إلا أن الجهات القضائية تمسكت بانعقاد الجلسة عن بعد، ليقرّر جوهر الدخول في إضراب جوع احتجاجًا على ذلك القرار يوم 29 مارس 2025، حيث أفادت محاميته أن حالته الصحية في تعكّر شديد بعد 10 أيام من الإضراب.

في 11 أفريل 2025 قررت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب تأجيل النظر في القضية ليوم 18 أفريل 2025 ليتم الحكم على جوهر بن مبارك بالسجن لمدة 18 سنة.

واعتبرت تقاطع أن “ظروف محاكمته ضمن قضية التآمر على أمن الدولة أو قضية المرسوم عدد 54، فإن بن مبارك لم يتمتع بأبسط حقوقه وضمانات المحاكمة العادلة، حيث إن القضية التي أُدين فيها بخمسة أشهر سجن لم تُجرَ فيها أي مرافعة للدفاع، ولم يُحضَر إلى قاعة الجلسة، على الرغم من أنه قابع في السجن، وهو ما يتعارض مع الفصل الثالث والثلاثين: المتّهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة”. كما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرّته الأمم المتحدة في المادة 10.

وشددت على “أن استمرار وجود جوهر بن مبارك في السجن إلى اليوم يُعد احتجازًا تعسفيًا، وهو ما بيّنته الأمم المتحدة في تقرير صادر بتاريخ 18 نوفمبر 2024، حيث إن ذلك يُخالف الفصل الخامس والثلاثين من دستور الجمهورية التونسية، والذي ينص على “لا يمكن إيقاف شخص أو الاحتفاظ به إلا في حالة التلبّس أو بقرار قضائي، ويُعلم فورًا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة إليه، وله أن ينيب محاميًا. وتُحدد مدة الإيقاف والاحتفاظ بقانون”، والحال أنه، وبموجب القانون، فإن المدّة القصوى للإيقاف التحفظي لا يجب أن تتجاوز 14 شهرًا، في حين أن جوهر بن مبارك يقبع في السجن منذ ما يزيد عن سنتين، مما يجعل استمرار احتجازه غير قانوني، ولا يتلاءم لا مع النصوص الوطنية، كما سبقت الإشارة، ولا مع النصوص الدولية ذات الصلة.

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​