جمعية تقاطع: بين القيود والإهمال لفظ حازم عمارة أنفاسه الأخيرة بلا رعاية ولا إنصاف

شددت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، اليوم الثلاثاء 15 جويلية 2025، على أن عملية إيقاف الشاب حازم عمارة وما تعرّض له داخل السجن مثالًا صارخًا على جملة من انتهاكات حقوق الإنسان التي تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية.

6 دقيقة

وحازم عمارة، أصيل معتمدية قرمبالية، شاب يبلغ من العمر 24 سنة يعاني منذ طفولته من مرض السكّري وأجرى خمس عمليات قلب مفتوح، يعمل كنادل في مقهى. تم إيقافه وإيداعه بسجن بلّي إثر خلاف نشب بينه وبين أحد الحرفاء في المقهى الذي يعمل فيه. توفّي حازم بعد حوالي ثلاث أسابيع من إيداعه بالسجن جرّاء الإهمال الطبي وسوء المعاملة رغم مناشدة والدته بوضعيته الصحيّة الحرجة. 

وأشارت تقاطع في بيان لها الى أنه تم التحقيق مع حازم عمارة دون حضور محامٍ، في انتهاك واضح لحقه في المحاكمة العادلة، وتعارض مع الضمانات القانونية المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكذلك الفصل 33 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022، الذي يقرّ بحقوق الدفاع في كل مراحل التتبع والمحاكمة، إلى جانب الضمانات التي ينص عليها القانون المحلي التونسي، والتي تنص على حضور محامٍ أمام باحث البداية.

ثم تواصلت الانتهاكات، حيث تعرّض الضحية لحرمان ممنهج من حقه في الصحة، إذ مُنعت والدته من إدخال الأدوية الضرورية لعلاجه، رغم تقديمها ملفًا طبيًا يثبت إصابته بمرض مزمن، مع ظهور أعراض تدل على بداية تدهور حالته الصحية، ليتواصل ذلك الحال حتى نقله إلى المستشفى في وقت متأخر، ما يُعدّ انتهاكًا لحق حازم في الصحة والرعاية الطبية، وهو ما يمثل بدوره خرقًا للمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 16 من الميثاق الإفريقي، علاوة على أن هذا الحق يحميه دستور الجمهورية التونسية في فصله الثالث والأربعين، الذي ينص على أنّ “الصحة حق لكل إنسان” ويُلزم الدولة بتوفير الوقاية والعلاج لكل مواطن.

كما أن حالة الشاب حازم تتعارض أيضًا مع ما ورد في قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والمعروفة تحت اسم “قواعد نيلسون مانديلا”، بما في ذلك القاعدة 24، التي جاء فيها أنّ “الرعاية الصحية للمسجونين مسؤولية الدولة، ويجب أن يحصلوا على نفس مستوى الرعاية المتوفر في المجتمع، دون تمييز على أساس الوضع القانوني”، والقاعدة 27 التي توجب إحالة السجناء الذين يحتاجون إلى علاج متخصص إلى مؤسسات صحية خارج السجن دون تأخير.

إلى جانب ذلك، توفي حازم في ظروف غير إنسانية، وهو مقيّد من رجليه داخل غرفة المستشفى، وتظهر عليه آثار تورّم تحت عينيه وفق شهادة والدته، ما يُرجّح تعرّضه لسوء معاملة داخل السجن، في خرق للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 5 من الميثاق الإفريقي، إلى جانب الفصل 25 من دستور 2022، الذي يُحجّر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بأي شكل من الأشكال.

وشددت تقاطع على أن تأخر السلطات في إعلام والدته بوفاته، رغم وفاته في صباح يوم 9 جويلية، وإبلاغها فقط في المساء، يُعد إخلالًا بواجب الشفافية والإبلاغ الفوري، ويُشكّل انتهاكًا للحق في معرفة الحقيقة، بما يتنافى مع الالتزامات المترتبة عن مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة وحماية المحتجزين.

واعتبرت أن تواصل هذه الانتهاكات وتتاليها بشكل ممنهج يشير إلى وجود إخلالات جسيمة قد ترقى إلى الإهمال المؤدي إلى الوفاة، ما يتطلب فتح تحقيق شفاف ومستقل لضمان حق حازم وعائلته، والحرص على عدم تكريس ثقافة الإفلات من العقاب، بما يتماشى مع المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتحديدًا فقرتها الثانية، التي تُلزم الدول بضمان توفر سبل انتصاف فعّالة لأي شخص انتُهكت حقوقه، وتكفل تنفيذ هذه السبل بواسطة السلطة القضائية المختصة.

حالة حازم ليست الأولى، إنما هي حلقة جديدة من سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب، التي راح ضحيتها العديد من الشباب في ظروف مسترابة، دون أن يتم استرداد حقوقهم أو إظهار حقيقة ما تعرّضوا له.

وتم بتاريخ 12 جوان 2025، تم إيقاف الشاب حازم عمارة إثر نشوب شجار بينه وبين حريف في المقهى التي يشتغل فيها كنادل. يأتي إيقافه بعد أن قدّم الحريف المعني شكاية لدى مركز قرمبالية، ليتم استجوابه دون حضور محامٍ في نفس عشية اليوم المذكور.

تم الاحتفاظ به بمركز ولاية نابل، ليتم بتاريخ 13 جوان إصدار بطاقة إيداع في حقه ونقله إلى سجن بلّي، حيث وُجِّهت له تهمة القتل العمد مع سابقية القصد.

بتاريخ 19 جوان، قامت والدة حازم بزيارته حيث قدّمت لإدارة السجن ملفه الطبي، يثبت أنه يتمتع ببطاقة إعاقة ويعاني من مرض مزمن ينجرّ عنه نوبات حادّة تتطلّب تناول أدوية لتهدئتها، إلا أنّ إدارة السجن منعتها من إدخال الأدوية التي يستحقها حازم.

وفي شهادتها، أكدت والدة الضحية أنه إثر زيارتها الأخيرة لابنها والتي كانت في 7 جويلية 2025، حدثها حول وضعيته الصعبة في السجن، حيث أعلمها أنه لا يملك سريرًا، وأن قضاء حاجته في دورة المياه يكاد لا يكون سهلاً، إذ يتطلب منه الانتظار طويلًا، وهو يعاني من مرض السكري. كما لاحظت وجود تورّم تحت عيني ابنها.

بقي حازم موقوفًا في السجن، وحالته الصحية تزداد سوءًا، إلى أن تم نقله إلى مستشفى محمد الطاهر المعموري بولاية نابل يوم الثلاثاء 8 جويلية 2025. وقد أكدت والدته أنها طالبت بحق ابنها في الرعاية الطبية اللازمة منذ لحظة إيقافه، وطلبت تمكينه من زيارة طبيبه المباشر في مستشفى الرابطة ومدّه بأدويته بشكل منتظم ومستمر.

وبعد يوم من إيوائه في المستشفى، تم الاتصال بأحد أفراد عائلة حازم لإعلامه بأنه يعاني من أزمة صحية ويطلب زيارة والدته. وتروي السيدة حياة، والدة حازم، أنها علمت بوفاة ابنها عند وصولها إلى المستشفى، من قِبل أحد النزلاء، الذي أخبرها بأنه قد تقيّأ لفترة طويلة دون أن يهتم به أحد، وقد قام أعوان مركز قرمبالية بإعلامها بوفاة ابنها على الساعة الثامنة مساءً من نفس اليوم، الموافق لتاريخ 9 جويلية ،2025 لتتسلّم العائلة جثمان ابنهم في اليوم الموالي، بعد استكمالهم للإجراءات القانونية والإدارية اللازمة.

أخبار ذات صلة:

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​