وحذّرت جمعية القضاة التونسيين من التداعيات الخطيرة لتوسع نفوذ السلطة التنفيذية بواسطة وزارة العدل داخل القضاء وسيطرتها عليه بالكامل وما لذلك من دور بالغ السوء في إشاعة مناخات الخوف وعدم الأمان في أوساط القضاة وتأثير مباشر على حسن تطبيق القانون واحترام حياة المواطنين وحقوقهم وحرياتهم، وفق نص البيان.
وحمّلت وزارة العدل مسؤولية تردي أوضاع القضاء ومرفق العدالة خلال السنتين الماضيتين، مشدّدة على أن “استحواذ” وزارة العدل على إدارة المسارات المهنية للقضاة عن طريق مذكرات العمل خلال السنتين الماضيتين اتسم بالسرية وانعدام الشفافية وبالغياب الكامل للضمانات المرتبطة بإدارة تلك المسارات.
وعبّرت جمعية القضاة عن انشغالها وخوفها من انعدام كل ضمانات استقلال القضاء والقضاة بخصوص طعن القضاة المعفيين في قرارات ترسيمهم بالهيئة الوطنية للمحامين أمام محكمة الاستئناف بتونس ومن أن يؤول ذلك الطعن إلى الرفض لمزيد التنكيل بهم بعد عدم الاستجابة إلى مطالبهم في تأجيل المرافعة وبعد حجز القضية للمفاوضة والحكم إثر رفع الوكيلة الأولى لرئيس المحكمة الجلسة التي كان من المفروض أن تبت في تلك القضايا المعينة بدائرتها ليتولى الرئيس الأول للمحكمة الحلول محلها ورفض مطالب تمديد المرافعة علما وأن الرئيس الأول الحالي لمحكمة الاستئناف بتونس قد تمت ترقيته لهذا المنصب بمذكرة عمل صادرة عن وزيرة العدل دون استيفائه للشروط القانونية بعد أن شغل خطة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بجندوبة لبضعة أشهر فقط وتولى شخصيا ترؤس جلسة البت في القضايا الجزائية لأحد المترشحين للانتخابات الرئاسية ورفض منذ الجلسة الأولى مطالب المحامين التأخير للاطلاع وإعداد وسائل الدفاع ولم يمكن هيئة الدفاع سوى من بضع ساعات للاطلاع على ملفات تلك القضايا.
وأشارت إلى “عودة بعض الأشخاص الدخلاء على الإعلام المهني” إلى مهاجمتها وبث الأكاذيب والمغالطات بشأنها واتهامها بالتدخل في قضية الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بنابل التي صدر فيها حكم بالإعدام على خلفية تدوينات على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك،
بقصد “إخلاء مسؤولية السلطة التنفيذية”، وفق ما ورد في البيان.
وطالبت الجمعية السلطة السياسية بمراجعة “خياراتها الكارثية” في التعامل مع السلطة القضائية التي ثبت “فشلها وتسببها في استفحال الأزمة” في مرفق العدالة، محذّرة من تداعيات الاستمرار في ذلك النهج “التسلطي المتعسف والإمعان فيه”.
ودعت جميع القضاة لتحمل مسؤولياتهم وعدم استسهال الانسياق وراء تعليمات السلطة التنفيذية وتوجيهاتها وضغوطاتها طلبا للسلامة أو المكافآت المهنية بما يخالف واجب البت في القضايا لتحقيق العدل والإنصاف بين الناس وحفظا للحقوق والحريات، مشدّدة على أن أي انسياق من هذا القبيل يؤول حتما كما أصبح معلوما في عديد الوضعيات إلى استعمالهم “كأكباش فداء من قبل السلطة التنفيذية” في حال تكشّف اجحاف الأحكام والقرارات الصادرة عنهم بحقوق المتقاضين نتيجة إدارتها الخاطئة لسير التتبعات والقضايا وللمؤسسة القضائية، وفق تعبيرها.
كما دعت كافة القضاة العدليين بمختلف رتبهم الذين طالهم “تعسف السلطة” إلى إبلاغ الجمعية بوضعياتهم وإلى توخي نهج التقاضي الاستراتيجي في الدفاع عن حقوقهم بالطعن في مذكرات العمل الجائرة وغير القانونية التي شملتهم أمام القضاء الإداري واستصدار أحكام ضد وزارة العدل فيما تقترفه من جور وتعسف.