وكان دبية قد أعلن ليلة أمس عن تسجيل حالات اختناق بغنوش للمرة الثالثة في ظرف أسبوع، وعلق “غنوش مرة أخرى، حالات اختناق جديدة الليلة جراء التسربات الغازية المنبعثة من المجمع الكيميائي التونسي”.
من جانبهم أطلق أهالي غنوش نداء استغاثة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد من أجل التدخل وإيجاد حل “للوضع الكارثي” الذي تعيشه المنطقة.
وأكدّوا توافد عشرات المواطنين على المستشفى في ظرف وضع صحي “يزداد سوء” بسبب نقص في الأوكسجين، واكتظاظ في المؤسسة الصحية.
وطالب الأهالي بالتدخل العاجل والفوري لتوفير الأوكسجين بصفة مستعجلة وتعزيزات طبية عاجلة، وتدخل حكومي ميداني لفتح ملف التلوّث ومحاسبة المسؤولين.
وكانت منطقة غنوش، وهي إحدى المناطق القريبة من المجمع الكيميائي التونسي بقابس، قد شهدت أكثر من 25 حالة اختناق يوم 9 سبتمبر، متبوعة بـ 6 حالات في 10 سبتمبر 2025.
يذكر أن حركة الشبيبة من أجل المناخ قد أفادت بأن حالات الاختناق هذه ليست حوادث منعزلة بل هي أعراض صارخة لفشل systémique في الإدارة البيئية والصناعية، وتمثل انتهاكا صريحا للحق الأساسي في الصحة والبيئة الآمنة، مشيرة إلى أن هذه الحالات تكشف عن أولوية واضحة للأرباح الاقتصادية على حساب رفاهية المجتمع وسلامته.
ويعاني أهالي قابس منذ عقود من التلوث الناتج عن المنطقة الصناعية وبشكل أكبر عن المجمع الكيميائي التونسي، خاصة بالنسبة للمناطق المحيطة وهي شاطئ السلام وغنوش وبوشمة، حيث تنتشر في هذه المناطق العديد من الأمراض مثل السرطانات وهشاشة العظام وأمراض الجهاز التنفسي.
يذكر أنه تم في 2017 إصدار قرار يقضي بتفكيك الوحدات الملوثة التابعة للمجمع الكيميائي التونسي بقابس، إلا أنه لم يتم تنفيذه إلى الآن.
وكان أهالي قابس قد نفذوا في شهر ماي 2025 وقفة احتجاجية للمطالبة بتطبيق القرار الصادر في 2017 والقاضي بتفكيك كل الوحدات الملوثة، ورفض تركيز مشاريع الهيدروجين الأخضر.
وفي تعليقه على تواصل حالات الاختناق قال الخبير البيئي مهدي العبدلي “تعيش قابس منذ عقود تحت وطأة انبعاثات سامة ناتجة عن المركّب الكيميائي، حيث تتكرّر يوميا حالات الاختناق بين الأهالي، ومع هذه الانبعاثات تتفاقم معاناة سكان الجهة مع تلوّث الهواء والماء والتربة”.
وتابع في تدوينة على فيسبوك “هذه المأساة لم تعد مجرد مشكل بيئي إنما أصبحت مسألة حياة أو موت، خطر يهدد صحّة المواطنين وحقّهم في بيئة سليمة يكفلها الدستور”.
وأشار إلى أن المعضلة في قابس ليست بالجديدة، فمنذ سبعينات القرن الماضي ارتبط إسم قابس بالأنشطة الصناعية الثقيلة، ومع مرور الزمن أصبحت المدينة عنوانا للتلوث الصناعي والبيئي في تونس.
وشدّد العبدلي على أنه “رغم تعاقب الحكومات وتكرار الوعود، بقيت الأوضاع على حالها، بل ازدادت سوءًا مع اتساع رقعة التلوث وارتفاع نسب الأمراض التنفسية والسرطانية”.
وأضاف “اليوم وأمام هذا النزيف الصامت، لم يعد الصمت مقبولا، المطلوب ليس مجرد حلول ترقيعية أو لجان تحقيق جديدة، بل إجراءات عاجلة وحاسمة تبدأ بانعقاد مجلس وزاري خاص وحتّى انعقاد اجتماع لمجلس الأمن القومي، باعتبار أن ما يحدث في قابس لم يعد قضية محلية بل تهديدا للأمن البيئي والصحي الوطني”.
وأكد العبدلي أن إنقاذ قابس مسؤولية جماعية تتطلّب قرارات شجاعة، أوّلها وضع حدّ للانبعاثات السامة وإلزام المؤسسات الصناعية باحترام المعايير البيئية، مع إطلاق خطة إنعاش حقيقية توازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة البيئية، وأن استمرار الوضع الحالي يعني مزيدا من الاختناقات، ومزيدا من الأمراض، ومزيدا من المعاناة لأهالي قابس، وفق تعبيره.
