سامي بن غازي: النظم السياسية لا تُقاس بعمرها اللحظي ولا بزخم خطب زعمائها

قال، اليوم الثلاثاء 26 أوت 2025، المحامي سامي بن غازي إن النظم السياسية لا تُقاس بعمرها اللحظي ولا بزخم خطب زعمائها، بل بقدرتها على تثبيت جذورها في التاريخ عبر الشرعية والمؤسسات والتحالفات والإنجاز.

3 دقيقة

وأضاف سامي بن غازي، في تدوينة على فيسبوك، أن ابن خلدون يقول “إنّ الملك لا يقوم إلا بالعصبية، والعصبية لا تُحفظ إلا بالعدل”، ومن هذا المنظار، يواجه النظام القائم في تونس صعوبة حقيقية في بناء مقومات البقاء التي تحصّن الدول من الانهيار”.

وتابع أن الشرعية التي تعتبر شريان الحياة لأي حكم، لم تُستمدّ من مؤسسات راسخة أو عقد اجتماعي متين، بل من لحظة استثنائية محمّلة بالانفعال والغضب الشعبي، موضّحا أن “ما بُني على الانفعال لا يدوم، وما تأسّس على الاستثناء لا يتحوّل إلى قاعدة، لقد تحوّلت الشرعية الانتخابية الظرفية إلى شرعية شخصانية، وهي شرعية هشّة، إذ أنّ الأنظمة التي تبني وجودها على لحظة ثورية دون أن تترجمها إلى مؤسسات، سرعان ما تجد نفسها في مواجهة أزمة دائمة”.

وشدّد سامي بن غازي على أن الدولة لا تُدار بالخطب ولا تُشيَّد بالمراسيم، بل تُحفظ بالمؤسسات، الأحزاب، البرلمان، القضاء، المنظمات الوسيطة، هي الحزام الذي يحمي الدولة من الانفجار، وهي الصمّام الذي يتيح إدارة الخلافات وامتصاص الصدمات. غير أنّ إضعاف هذه المؤسسات وإقصاء دورها جعل الساحة التونسية بلا وسائط قادرة على إعادة إنتاج التوازن، وبلا أرضية صلبة تسمح بالاستقرار، وفق تعبيره.

وتابع “وفوق هذا كلّه، فإنّ أي نظام يحتاج إلى جهاز حزبي أو جسما وسيطا متينا يترجم خياراته، يؤطّر أنصاره، ويمدّه بامتداد اجتماعي منظم. غير أنّ ما يحيط بالنظام القائم ليس حزبًا مؤسَّسًا ولا حركة سياسية متماسكة، بل تجمع هشّ من الأصوات المشتّتة التي تفتقد إلى الانضباط والقدرة على صياغة مشروع. إنّه محيط رعاعيّ، مرتبك ورديء الأداء، لا يزيد إلا في عزل النظام عن المجتمع ويضاعف من ارتباكه. فبدل أن يكون وسيلة لتقوية السلطة وإسنادها، أصبح عبئا يثقلها ويعمّق أزماتها”.

وأشار بن غازي إلى أن الاقتصاد الركيزة الصلبة لأي نظام، فقد تآكل بفعل المديونية، البطالة، وتراجع الثقة، مضيفا أن الأنظمة التي تعجز عن إعادة ربط الاقتصاد بنسيجها الاجتماعي والسياسي، تفقد تدريجيًا قدرتها على الاستمرار. فالخطاب السياسي مهما كان متماسكًا لا يمكن أن يعوّض غياب السياسات العمومية الفاعلة، ولا أن يسدّ رمق المواطنين الذين ينتظرون حلولا ملموسة لمشاكلهم اليومية.

أما على مستوى التحالفات “تبدو البلاد في وضع عزلة دقيقة. في الداخل، العلاقة متوترة مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وفي الخارج، الدعم الدولي متردد ومرهون بشروط مالية قاسية. والسياسة ليست فقط إدارة الشأن الداخلي، بل أيضًا فنّ التوازن في شبكة العلاقات الإقليمية والدولية، وهو ما لا يزال هشًّا في التجربة الراهنة”، وفق ما ورد في التدوينة.

وأكد بن غازي أن الأنظمة التي تدوم طويلًا هي التي تتقن التنازل عند الضرورة، وتُدخل الإصلاح كوسيلة لتجديد شرعيتها، فالحاكم الذي يرفض التغيير حين تفرضه الظروف، يعرّض نفسه إلى الزوال. والجمود في السياسة ليس ثباتًا، بل هو انحدار صامت، لأنّ الزمن لا يتوقف.

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​