موت جديد خلف القضبان: منتصر عبد الواحد تم إيقافه وتعنيفه هو وابنته القاصر ليموت في السجن في أقل من أسبوع

شددت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، اليوم الجمعة 15 أوت 2025، على أن ما تعرض له منتصر عبد الواحد، يشكل مثالاً صارخًا على سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والمتعددة، التي طالت حريته، وأمنه الشخصي، وصحته الجسدية والنفسية، وكذلك حقوق أسرته وحقهم في حياة كريمة وآمنة.

6 دقيقة

ومنتصر، كهل تونسي متزوج وأب لأربعة أطفال، تم إيقافه يوم 15 جويلية 2025 في الشارع، حيث قام أعوان الأمن بتفتيشه ولم يعثروا بحوزته على أي شيء. غير أنهم اكتشفوا أنه محل تفتيش، فأخبرهم بامتلاكه كفَّ تفتيش، إلا أنهم أصرّوا على مرافقته إلى منزله لتفتيشه، وذلك وفقًا لرواية زوجته. كما تذكر أن أعوان الشرطة قد كانوا بزي مدني ولا شيء يميزهم.

عند وصولهم إلى منزله لم يجدوا شيئًا، فاقتادوه إلى منزل والدته لتفتيشه أيضًا، حيث إن المنازل متجاورة ولم يعثروا على أي شيء، ولم يستظهروا بأي إذن قضائي يخوّل لهم القيام بعملية التفتيش، وأخبروه بأنه يملك منزلًا آخر، لكنه أكد لهم أن دخله لا يسمح بذلك، فهو يعمل في مقهى وزوجته تعمل في مطعم.

عقب ذلك، وصل عدد من أعوان الشرطة على متن دراجات نارية، وأثناء إخراج منتصر من منزله لاقتياده إلى مركز الشرطة، تبعه أطفاله. وكانت ابنته، البالغة من العمر 14 عامًا، تحمل هاتفًا وتحاول الاتصال بأحد أفراد العائلة لإبلاغهم بما يجري، غير أن أحد الأعوان انتزع الهاتف منها بالقوة وصفعها على وجهها. وعندما شاهد منتصر ما تعرضت له ابنته، استشاط غضبًا، فانهال عليه أعوان الأمن بالضرب ووجّهوا له ولأطفاله شتائم مهينة.

أجبروه على الصعود إلى الدراجة واقتادوه إلى ثكنة الأمن ببوشوشة. في ذلك اليوم، لم تكن زوجته في المنزل، وعندما أخبرها الأطفال بما جرى لحقت به، لكنهم منعوها من رؤيته، وأخبرها أحد الأعوان أن زوجها شتم أحدهم.

في 16 جويلية 2025، مثل أمام القضاء في محكمة باب بنات، حيث تم إيداعه بالسجن بتهم تتعلق بالسكر والتشويش والإخلال بالأخلاق الحميدة، والحال أن زوجته أكدت بأن زوجها لا يشرب الخمر.

وفي اليوم الموالي، تقدمت زوجته بطلب لزيارته، غير أن طلبها قوبل بالرفض، وتم إعلامها بضرورة التوجه إلى محكمة الناحية يوم الجمعة لتقديم الطلب. 

يوم الأحد 20 جويلية 2025، جاء أحد الجيران ليخبر زوجة منتصر أن حالته الصحية حرجة وأن عليها زيارته في السجن، لكنه لم يخبرها أنه توفي. وعند وصولها إلى المستشفى، وجدت عون أمن يعاتبها قائلًا: “زوجك لديه مرض في القلب، لماذا لم تخبرينا بذلك؟”، لكن الزوجة أكدت أنها تعرف حالته جيدًا وأنه كان بصحة جيدة منذ زواجهما، وأضافت أنه أجرى تحاليل شاملة في رمضان 2025 وكانت نتائجه سليمة.

أثناء تغسيل الجثمان، حاول أحد سكان الحي المشاركة في ذلك، ثم نشر مقطعًا على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بما حصل. لاحقًا، تم إيقافه، واستدعاه مركز باب بحر، كما استدعى زوجة الضحية طالبًا منها الإدلاء بشهادة ضد الرجل بدعوى أنه يثير الفوضى ويبث الإشاعات. لكنها رفضت التقدم بأي شكوى، فتم إطلاق سراحه.

بعد أيام، أُفرج عن أحد السجناء من نفس السجن الذي كان محتجزًا فيه منتصر، فأخبر زوجة الضحية أنه كان شاهدًا على ما جرى له. وأوضح أن منتصر، أثناء زيارته للطبيب داخل السجن، طلب دواءً مسكّنًا لكن طلبه قوبل بالرفض، فدخل في نوبة هلع وبدأ بالصراخ، ليقوم عدد من الأعوان بضربه وتعنيفه، قبل أن يسقط أرضًا ولا يعود بعدها إلى زنزانته.

وأضافت الزوجة أن الرجل الذي كشف لها ما جرى لمنتصر أُعيد لاحقًا إلى السجن بتهمة “بركاج”. كما أفادت بأنّها تتعرض لعدة تضييقات منذ الحادثة، وذلك بسبب التصريحات التي أدلت بها حول الواقعة. وأشارت إلى أنّه صدر ضدها حكم بالسجن لمدة أربعة أشهر على خلفية صراع شخصي قديم.

 وبينت جمعية تقاطع أنه، رغم تقديم منتصر ما يثبت أنه ليس محل تفتيش رسمي، أصر الأعوان على مرافقته إلى منزله لتفتيشه، ثم إلى منزل والدته، دون أن يُظهروا أي إذن قضائي، مخالفين بذلك نصوص المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على ألا يجوز اعتقال أي شخص أو احتجازه تعسفيًا، والمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تكفل لكل شخص الحق في الحرية والأمان، والمادة 6 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، التي تكفل الحق في الحرية والأمان. إذ أن كل أن هذه الممارسات تتعارض مع الفصل 29 من الدستور التونسي لسنة 2022 الذي يحمي الحرية الشخصية ويجرم الاعتقال التعسفي.

وأضافت تقاطع أن الانتهاكات لم تقتصر على الاعتقال التعسفي، بل شملت أيضًا المعاملة القاسية والمهينة وإمكانية وجود شبهة تعذيب في حق منتصر، إذ تعرض منتصر للضرب المبرح والشتائم وفقا للشهادات الموجودة، وتم توجيه الشتائم المهينة له ولأطفاله أثناء إخراجه واقتياده إلى مركز الأمن ببوشوشة. وتندرج هذه الممارسات ضمن الانتهاك الصريح للحق في الحماية من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، كما نصت المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، علاوة على المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل. على حظر مثل هذه الممارسات.

كما لم تقتصر الانتهاكات على منتصر وحده، بل شملت حقوق زوجته في حرية التعبير وحقها في الأمان الشخصي، إذ تعرضت لضغوط وتضييق بسبب تصريحاتها حول ما حصل لزوجها، وصدور حكم بالسجن ضدها على خلفية صراع شخصي قديم، مخالفًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 9 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بالإضافة إلى التزامات تونس بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وشددت تقاطع على أن وفاة منتصر لا تمثل حالة معزولة، بل تندرج ضمن نمط متكرر من الانتهاكات يستدعي فتح تحقيق جدي في حالات الموت المريب، وضمان مساءلة وطنية حقيقية، إلى جانب مراجعة عاجلة لمنظومة السجون والإجراءات القانونية، بما يضمن حماية الحق في الحياة والكرامة والصحة.

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​