وشكري العبيدي هو مواطن من ولاية باجة، تم إيقافه والاعتداء عليه بالعنف مع حرمان محاميه من مرافقته والحضور معه لحظة إيقافه.
وفي تفاصيل الحادثة، تعرّض شكري العبيدي للإيقاف يوم 16 جويلية 2025، حيث تم اقتياده إلى مركز الأمن “بوسط المدينة بباجة” مكبّل اليدين. وهناك، تعرّض شكري للعنف المادّي واللفظي أمام أنظار المحامي. علاوة على ذلك، تمّ منع محامي ضحية الانتهاك من الحضور مع منوّبه أمام باحث البداية، بدعوى أنّه كان في حالة سُكر، وهو ما رفضه مجموعة من المحامين الذين التحقوا بمركز الأمن، حيث أوضحوا أنّه لا وجود لعلامات سُكر واضحة عليه، وبأنّ الأمر يستوجب إجراءات تقصٍ واختبارات في الغرض، مع التأكيد على استعداد محامي ضحية الانتهاك لإجرائها، ليُجابَه طلبهم بالتجاهل.
وفي تمام الساعة التاسعة وربع ليلاً، تمكّن المحامون من مقابلة ضحية الانتهاك والاطّلاع على وضعه داخل مركز الاحتجاز، كما تم تمكين المحامين من معاينة مختلف الوثائق، ومقابلة الموقوف على انفراد، وفقاً لما ينص عليه القانون، مع تمكين ضحية الانتهاك من تسخير طبي، حيث طُلب منهم انتظار استشارة النيابة العمومية في الصدد.
في حدود الساعة العاشرة والنصف ليلاً، وإثر مراجعة النيابة العمومية، قام أعوان الشرطة بمنع محامي ضحية الانتهاك من القيام بعمله في إنابة موكّله، إلا أنّه تمكّنت محامية حاضرة من مجموعة المحامين من التدخّل وزيارة ضحية الانتهاك، الذي تم الإبقاء عليه داخل مركز الاحتفاظ بمنطقة الأمن بباجة.
وبعد قرابة نصف ساعة من انتظار المحاميين أمام منطقة الأمن بباجة، جاءت سيارة الحماية المدنية لتقوم بنقل ضحية الانتهاك إلى قسم الاستعجالي بباجة على وجه السرعة، حيث قام الأطباء بإجراء “تصوير مقطعي” على يده التي يشكو من آلام بها، كما تمّت معاينة آثار حمرة على يده اليسرى ورأسه وساقه من قبل مجموعة المحامين الذين التحقوا به.
بتاريخ 17 جويلية 2025، تمّ تمديد فترة الاحتفاظ بضحية الانتهاك، كما قدّم محاميه شكاية لفرقة الأبحاث العدلية التابعة للحرس الوطني بباجة، في حق منوّبه فيما يتعلق بالعنف الذي طاله، وفي حق نفسه بخصوص منعه من ممارسة مهامه كمحامٍ، حيث تم سماع ضحية الانتهاك وأخذ أقواله حول العنف الذي سُلّط عليه من قبل أعوان فرقة العدلية للحرس الوطني بباجة، مع تحديد هوية الأشخاص الذين قاموا بتعنيفه.
وفي اليوم الموالي، تم اقتياد شكري العبيدي إلى المحكمة الابتدائية بباجة بعد انتهاء آجال الاحتفاظ به، ليتفطّن المحامون إلى أن موكّلهم يضع جبيرة على يده المصابة. وإثر عرضه على أنظار النيابة العمومية، اتُّهم ضحية الانتهاك بـ “الإضرار عمداً بملك الغير وهضم جانب موظف عمومي أثناء مباشرته لوظيفته بالقول والإشارة والتهديد”، بما يوجب عقابًا جنائيًا، و”الاعتداء على الأخلاق الحميدة والقذف العلني والتعاصي على موظف عمومي أثناء مباشرته لوظيفه بالتهديد بالعنف والسكر الواضح وإحداث الهرج والتشويش”، ومن ثم تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه.
ورغم عرضه على الفحص الطبي، لم يتمكن ضحية الانتهاك من الحصول على الشهادة الطبية، إذ يذكر أحد المحامين الحاضرين معه أنّه قد مرّ أسبوعان ولم تصدر أي شهادة طبية في الغرض.
وفي 22 جويلية 2025، تم الإفراج عن ضحية الانتهاك والإبقاء عليه في حالة سراح، مع تحديد يوم 5 أوت 2025 كتاريخ للمثول من جديد أمام أنظار المحكمة.
واعتبرت تقاطع أن الاعتداء بالعنف على شكري من قبل أعوان مركز الأمن “بوسط المدينة بباجة” عبر صفعه وضربه وهو مكبل اليدين أمام بحاميه، يمثل تجاوزا للقوانين الوطنية بداية بمقتضيات دستور 2022 والذي ينص في الفصل 22 منه بأن ” تضمن الدّولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحرّيات الفرديّة والعامّة وتهيّئ لهم أسباب العيش الكريم رفقة الفصل 25 الذي يقر بواجب أن ” تحمي الدّولة كرامة الذّات البشريّة وحرمة الجسد، وتمنع التّعذيب المعنويّ والمادّي. ولا تسقط جريمة التّعذيب بالتّقادم” ومقتضيات الفصل 36 الذي ينص على أن ” لكلّ سجين الحقّ في معاملة إنسانيّة تحفظ كرامته”.
كما يخالف مقتضيات مدونة الخاصة بقوات الأمن الداخلي والمنظمة وفق الأمر عدد 240 لسنة 2023 مؤرخ في 16 مارس 2023 يتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك قوات الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية حيث تذكَر المدونة في وفق الفصل 5 احترام قوات الأمن أثناء ممارستهم لمهامهم أو بمناسبة مباشرتهم لها عدة مبادئ أساسية على غرار احترام الحقوق والحريات العامّة والفرديّة واحترام كرامة الذات البشريّة، إضافة الى مخالفة مقتضيات الفصل 29 من نفس المدونة والذي ينص على أن يمارس الأمنيّون مهامّهم في نطاق المنع المطلق للتعذيب وسوء المعاملة ويحرصون على السلامة الجسديّة والنفسيّة للمحتفظ به وصون كرامته ويوفّرون له الحماية والرعاية الصحيّة اللازمة.
فيمثل الاعتداء بالعنف على ضحية الانتهاك خرقا للمواثيق والمعاهدات الدولية على غرار مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 5 التي تنص على أن ” لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة ” ومقتضيات المادة 7 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية الذي يقر بأن ” لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة “.
كما تعد مخالفة لمقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة وفق مقتضيات الفقرة 1 من المادة 16 .
تنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة في المواد 10،11،12،13 وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى التعذيب بالإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة.”
كما يمثل منع المحامي من مرافقة منوّبه أمام النيابة العمومية بذريعة كونه “في حالة سكر”، خرقا للحق في الدفاع والمحاكمة العادلة الذي يكفله الدستور والقوانين الجاري بها العمل بما يضمنه الفصل 33 من الدستور الذي يقر بأن “المتّهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة” ومقتضيات القانون عدد 5 لسنة 2016 المتعلق بضمان حقوق المحتفظ به، والذي ينص صراحة على ضرورة حضور محامٍ أثناء الاستماع إليه.
كما يُمثّل ضرب الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة خرقًا لمقوّمات المواثيق والمعاهدات الدولية، على غرار المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وشددت تقاطع على أن جملة الانتهاكات المُسلّطة على ضحية الانتهاك وعلى محاميه، بما تحمله من ترابط وتقاطع، تُشكّل مساسًا بالحق في الحرمة الجسدية، وحماية الكرامة الإنسانية، والحق في المحاكمة العادلة، وهي دليل على استمرار العنف البوليسي في ظل تواصل سياسة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.