جمعية تقاطع: وسيم حافظ الجزيري شاب آخر يموت في ظروف مسترابة خلف القضبان

اعتبرت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات، اليوم الثلاثاء 29 جويلية 2025، أن حالة وسيم حافظ الجزيري تعكس مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان، في مقدّمتها الإخلال الجسيم بحقه في الرعاية الصحية والمتابعة الطبية داخل السجن، فضلاً عن المساس بحقوقه الأساسية أثناء الإيقاف والسجن.

6 دقيقة

ووسيم حافظ الجزيري، شاب تونسي أصيل ولاية صفاقس، في 4 ماي 2025، تعرّض للإيقاف من قبل قوات الأمن الوطني في الساعة الحادية عشرة، وذلك لوجود شكاية ضده لم يُذكر من هو صاحبها.

حيث اقتحمت قوات الأمن مقرّ سكناه دون الاستظهار بما يخول لهم ذلك، واعتقاله، ومن ثم اقتياده مكبلًا بالأصفاد إلى مركز الشرطة بساقية الزيت.

ومن ثم تم التحقيق معه، أين كان والده برفقته، إلا أن الاستنطاق كان دون حضور محامٍ، مع عدم إعلام الموقوف بحقوقه، من بينها حقه في الدفاع وتواجد محامٍ معه أمام باحث البداية، وإثر ذلك بقي وسيم موقوفًا في نفس المكان.

وفي اليوم الموالي، وبتاريخ 5 ماي 2025، أُحيل وسيم على أنظار قاضي التحقيق بالمكتب التاسع للمحكمة الابتدائية بصفاقس، ومن بعد تم نقله إلى مستشفى الهادي شاكر بصفاقس لمتابعة حالته النفسية الخاصة، والتواصل مع طبيبته المباشرة لحالته للاطلاع على ملفه الصحي ومقتضيات وضعه الصحي.

وقد تم اقتياد ضحية الانتهاك إلى السجن المدني بصفاقس في نفس اليوم، حيث بقي خلال الفترة الأولى داخل السجن دون تلقي العلاج اللازم، رغم تأكيد عائلته أنه يعاني من اضطرابات نفسية حادّة، دون أن تظهر عليه أي سلوكيات عدوانية. وذكرت العائلة أنه كان يتناول نحو خمسة أنواع من الأدوية، إلى جانب خضوعه سابقًا لعلاج دوري عبر الحقن خلال الأشهر التي سبقت سجنه.

وأضافت العائلة في شهادتها أن إدارة السجن رفضت في البداية تسلّم الأدوية التي أحضرتها، واشترطت إرفاقها بوصفة طبية، وهو ما استجابت له العائلة لاحقًا. بعد ذلك، وافقت إدارة السجن على تسلّم الأدوية، وتم تمكين ضحية الانتهاك من تناوُل دوائه مرة واحدة يوميًا في الساعة الثالثة مساءً، في حين يشير والده إلى أنه كان يتناوله سابقًا مرتين في اليوم.

وبعد مدة وجيزة، بدأت العائلة تلاحظ تعكّر الحالة الصحية لابنهم أثناء كل زيارة له، حيث ظهرت على جسده أعراض تدلّ على إصابته بمرض جلدي نتيجة سوء الأوضاع داخل السجن، ما أدى إلى وضعه في عزلة طبية. غير أن حالته الصحية واصلت التدهور، مما استدعى نقله إلى المستشفى.

وتروي عائلته أنه خلال الزيارات، وخاصة زيارة يوم 10 جويلية 2025، كان يعاني من تأزّم نفسي ورفض لوضعيته داخل السجن، بالإضافة إلى إحساسه الدائم بالمرض، وصعوبة وضيق في التنفّس، وعدم قدرته على الأكل، وهو ما أبلغه لإدارة السجن، التي ردّت عليه بأنه سيتم تمكينه من الذهاب إلى المستشفى، شريطة الانتظار لبعض الوقت.

وبتاريخ 14 جويلية 2025، مثل ضحية الانتهاك أمام حاكم التحقيق والنائب العام لدائرة الاتهام من أجل ختم البحث، حيث لوحظ عليه الإعياء، وأعرب عن شعوره بضيق شديد في التنفّس، وطلب المتابعة الطبية لحالته داخل السجن.

إثر إمضاء وسيم على محضر ختم البحث الخاص بقضيته، أُعيد إلى السجن، حيث تُوفي حوالي الساعة التاسعة ليلاً. وفي اليوم الموالي، بتاريخ 15 جويلية 2025، تم إعلام العائلة بوفاته ودُعيت لتسلّم الجثة، فيما لا يزال تقرير الطبيب الشرعي قيد الانتظار لتحديد سبب الوفاة.

 وشددت تقاطع على أن هذه الانتهاكات تمثل خرقًا صارخًا للضمانات الدستورية في تونس وللالتزامات الدولية التي تعهدت بها الدولة التونسية بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان.

واعتبرت أن وسيم تم إيقافه في 4 ماي 2025 من قبل قوات الأمن الوطني دون الكشف عن مصدر الشكوى ضده، ودون الاستظهار بأي إذن قضائي، وذلك في انتهاك للفصل 24 من دستور الجمهورية التونسية الذي يضمن حرمة المسكن وعدم اقتحامه إلا بإذن قضائي. كما تم اقتياده إلى مركز الشرطة مكبلًا بالأصفاد، في خرق لمبدأ افتراض البراءة، دون إعلامه بحقوقه القانونية، خاصة حقه في حضور محامٍ أثناء التحقيق.

وأضافت أن هذه الممارسات تعدّ مخالفة صريحة للفصل 38 من الدستور التونسي الذي يقرّ بأن “الصحة حق لكل إنسان” محملة الدولة مسؤولية توفير العناية الطبية اللازمة، وخاصة للمحتجزين الذين هم تحت وصايتها الكاملة. كما تتعارض مع الفصل 36 من دستور 2022 الذي ينصّ على أن “لكلّ سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته”.

كما تخرق هذه الممارسات قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا 2015)، لا سيما القواعد من 24 إلى 35، التي تُلزم الدول بتوفير نفس مستوى الرعاية الصحية المتاح في المجتمع للسجناء، وضمان العلاج المجاني لهم وإمكانية الوصول الفوري إلى الرعاية الطبية في الحالات العاجلة.

من جهة أخرى، تنصّ المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”، بينما يكرّس العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته السادسة الحق في الحياة كحق ملازم لكل إنسان لا يجوز حرمانه منه تعسفًا، كما تشدد مادته العاشرة على وجوب معاملة المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تراعي الكرامة الأصيلة في الشخص البشري.

وبالمثل، تنص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على التزام الدول الأطراف باتخاذ التدابير الضرورية لضمان تمتع كل إنسان بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، بما في ذلك تهيئة ظروف تتيح الخدمات الطبية والعناية لجميع الأشخاص، بما في ذلك السجناء.

وبينت تقاطع أن ظروف توقيف وسيم وسجنه، وغياب الرعاية الطبية الملائمة، وانعدام احترام الإجراءات القانونية الأساسية، تمثل إخلالاً ممنهجًا بالحقوق الأساسية المكفولة قانونيًا، وخرقًا للمعايير الدنيا لمعاملة السجناء. وقد انتهت هذه السلسلة من الانتهاكات بوفاته المفجعة يوم 14 جويلية 2025، في انتظار تقرير الطبيب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة، في وقت تتجه فيه أصابع الاتهام إلى الإهمال الطبي وسوء المعاملة.

وشددت على أن وفاة وسيم حافظ الجزيري لا تمثل حالة معزولة، بل تندرج ضمن نمط متكرر من الانتهاكات التي تستدعي مساءلة وطنية ومراجعة عاجلة لمنظومة السجون والإجراءات القانونية لحماية الحق في الصحة والكرامة والحياة.

وشهدت السجون التونسية مؤخرا حالتا وفاة لشابين آخرين وهما حازم عمارة ومحمد أمين الجندوبي، وقد طالبت عدد من الجمعيات والمنظمات بفتح تحقيق والكشف عن ملابسات الوفاة في ظل اتهامات بالتقصير والإهمال وشبهات تتعلق بالتعذيب من قبل عائلتهما.

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​