وبين عماد الدربالي أن مشروع البناء القاعدي يمثل اليوم توجهًا استراتيجيًا جديدًا في صياغة مخطط التنمية، وهو استجابة موضوعية ومستحقة لمطالب أبناء شعبنا في كل شبر من هذا الوطن العزيز، دون تمييز أو إقصاء. ذلك أن كل رقعة من تراب تونس يجب أن تكون موضع اهتمام ورعاية، في إطار رؤية عادلة وشاملة، تضع في صدارة أولوياتها الارتقاء بواقع الجهات، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وفق ما يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطن”.
واعتبر عماد الدربالي أن ما يميّز هذا التوجه هو اعتماد مقاربة تشاركية جديدة تُبنى على الإنصات المباشر للمواطنين، والانطلاق من أولويات الجهات والمجالس المنتخبة، والتخطيط من القاعدة نحو المركز، بما يكفل مشاركة فعلية ويضمن عدالة التوزيع ونجاعة التنفيذ.
وانطلاقًا من هذه القناعة، أكد أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يجدد التزامه الثابت بعدم الحياد عن هذه البوصلة، وأنه سيواصل تحمل مسؤولياته الوطنية بكل عزم وإرادة، من أجل النهوض بالواقع التنموي وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، إذ لا خيار آخر، سوى العمل والبناء، لأن كل مخطط تنموي لا ينبني على هذا الأساس سيكون مجانبًا لمصالح الشعب، ومآله الإجهاض.
وفي كلمته، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، أن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يضطلع بدور هام في مسار إعداد المخطط التنموي باعتبار وظيفته التشريعية، إذ تعرض عليه مشاريع المخططات للمصادقة، إضافة إلى دوره في الرقابة والمساءلة.
وأعلن أن وزارة الاقتصاد والتخطيط شرعت في الإعداد والتحضير لعملية الانطلاق في إعداد المخطط من خلال تجميع الوثائق والاستشارات الوطنية والقطاعات والدراسات المجالية والخصوصية بالتنسيق مع الوزارات والهياكل المعنية، والعمل على المرافقة والإحاطة والتواصل مع المجالس المنتخبة.
وأفاد الوزير نقلا عن إذاعة المنستير، أنه تم تنظيم 1200 جلسة مرافقة للمجالس المحلية وعقد 60 اجتماع على مستوى المجالس الجهوية و6 جلسات مع ممثلي مجالس الأقاليم الى حدود 10 جوان الجاري، معتبرا أن المخطط التنموي الجديد يندرج في إطار بناء النظام القاعدي حتى لا تكون المشاريع مسقطة من المركز.
وعبر سمير عبد الحفيظ عن الثقة في إنجاح هذه التجربة الأولى من نوعها في مشروع البناء القاعدي، مشيرا الى أهمية الأخذ بالاعتبار التحديات القائمة وخاصة المتعلقة بالتوازنات المالية للدولة والعدد الهام للمشاريع بصدد الإنجاز، إلى جانب التأليف المحكم للمقترحات والمشاريع، التي ستعمل المجالس المنتخبة على تحضيرها، بما يدفع الاندماج الاقتصادي والاجتماع ويكرس التقسيم الترابي الجديد ويرفع من مستوى تنافسية الاقتصاد الوطني بما يساعد على احداث فرص العمل وتحسين جودة الحياة من خلال دفع الاستثمار العمومي.
ومن جانبها، أكدت أحلام خرباش المديرة العامة بوزارة الداخلية، أحلام خرباش، أن السلط المحلية والجهوية تعمل بشكل متواصل على توفير الظروف الملائمة لتقوم المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم بمهامها في تحضير مشاريع المخططات التنموية، مشيرة إلى ضرورة الاطمئنان بخصوص التنسيق بين السلط المحلية والجهوية والمركزية مع المجالس المنتخبة، ومنوهة بالتنسيق المحكم بين المجالس المنتخبة فينا بينها وعملها الجاد في انهاء مهامها في الحيز الزمني المعد لذلك.
كما بيّنت خصوصية النظام القانوني التونسي في ما يتعلق بإعداد مخطط التنمية، من خلال ما يتيحه من توزيع واضح للصلاحيات وتكريس لمبدأ التشاركية بين مختلف المتدخلين.
ولدى تقديمه عرضا بمناسبة تنظيم هذا اليوم الدراسي، بين محمد الكو رئيس لجنة المخططات التنموية والمشاريع الكبرى بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، ضرورة أن يتميز المخطط التنموي 2026-2030، بالقدرة على التكيف مع المستجدات والتحديات المالية والمناخية لتي تواجه البلاد، مع الثبات في الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في التحول نحو اقتصاد المعرفة وتعزيز الانتاجية والتنافسية ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتنمية المناطق الداخلية.
وأوضح رئيس لجنة المخططات التنموية والمشاريع الكبرى، أن المخطط التنموي المرتقب، يجب أن يحقق رقمنة الادارة وتعزيز اللامركزية والاستثمار في الطاقات المتجددة الى جانب إحكام إدارة الموارد المائية وتعزيز الاقتصاد الدائري وتعزيز الشفافية والحوكمة، مع تحقيق التنمية البشرية العادلة والمستدامة والعدالة الاجتماعية والعدالة بين الجهات وتعزيز دور المرأة والشباب ومواصلة الاصلاحات وتبسيط الإجراءات وفق ذات المصدر.
وشدد أغلب المتدخلين على ضرورة مزيد العناية بتواصل السلط المحلية والجهوية والمركزية ومزيد التعاون والإحاطة بالمجالس المنتخبة وتمكينها من المنح المالية والظروف السانحة لإتمام مهامها على أكمل وجه.
وفي تفاعله مع النقاش العام، أكد وزير الاقتصاد والتخطيط أن كل الوزارات وهياكل الدولة تعمل على إنجاح إعداد المخطط التنموي الجديد، وتعمل على بلورة توجهات الدولة وتوصيات رئيس الجمهورية بالإحاطة وتوفير كل الإمكانات المادية المتاحة للمجالس المنتخبة حتى تضطلع بدورها المحوري في اعداد مخطط التنمية 2026-2030.
في ختام أشغال هذا اليوم الدراسي البرلماني، تقدم رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم، بالشكر إلى وزير الاقتصاد والتخطيط، على ما قدّمه من معطيات وتوضيحات هامة، وعلى تفاعله الإيجابي مع مجمل الأسئلة والاستفسارات التي طُرحت، متوجها بالشكر إلى السيدات والسادة نواب المجلس الوطني للجهات والأقاليم على ما قدموه من مداخلات قيّمة وتساؤلات دقيقة، من شأنها أن تُثري وتُسهم في تطوير أداء المجلس وتحسن نجاعته كمؤسسة تمثيلية تعمل من أجل تعزيز العدالة المجالية والتوازن التنموي.
وجدد رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم الشكر موصول إلى كل المجالس المنتخبة، محليًا وجهويًا وإقليميًا، على ما يبذلونه من جهد في سبيل خدمة مواطنيهم والنهوض بواقع جهاتهم، وفي أداء مهامهم النبيلة، معبّرا عن الأمل الصادق في أن تلقى مطالبهم المشروعة الاستجابة اللازمة، لما لها من دور محوري في تعزيز نجاعة الأداء المحلي وتمكينهم من إيصال صوت الجهات بكل واقعية وجرأة.
وأكد عماد الدربالي أنّ المرحلة دقيقة والتحديات جسيمة، لكن الإرادة في البناء والتشييد أقوى وبوصلة المجلس ستظل ثابتة لا تحيد، متمسّكة بخيار الإصلاح والتحرّر والارتقاء، مستندة إلى عزيمة أبناء تونس الشرفاء والأحرار، الذين لن يسمحوا أبدًا بأن تسقط البلاد بين أيدي العابثين.
وكان الدربالي قد أفاد في وقت سابق بأن ما تم وراثته عن المنظومات السابقة اختلالات عميقة في توزيع المشاريع والثروات، نتيجة خيارات مركزية غير متوازنة. لم تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الجهات أو خصوصياتها، ممّا أفرز فجوة تنموية واسعة، وساهم في تفاقم شعور المواطنين بالغبن والتهميش، لاسيما في المناطق الداخلية والريفية. وإننا اليوم أمام واجب وطني وأخلاقي لا يقبل التأجيل، يتمثل في القطع مع الخيارات اللاوطنية، وتكريس مقاربة جديدة تقوم على التشاركية، والعدالة، والإنصاف المجالي، بما يعيد الاعتبار لكل رقعة من ترابنا الوطني، ويضمن نفاذًا منصفًا لكل المواطنين إلى الخدمات والمرافق العمومية.
وبين عماد الدربالي، أن تونس الجديدة، تستعيد سيادتها على مقدّراتها، وتبني مؤسساتها على أساس تمثيلية فعلية للشعب في الجهات، وتتّجه بخطى ثابتة نحو إرساء نموذج سياسي وتنموي بديل، عنوانه: البناء القاعدي، السيادة الشعبية، والتوزيع العادل للثروة.