ذكرى هشام العلائمي: صرخة من الحوض المنجمي لم تُسمع

في السادس من ماي 2008، اهتزت قرية تبديت، الواقعة بين معتمديتي الرديف وأم العرائس بولاية قفصة، بحادثة مأساوية أودت بحياة هشام العلائمي، الشاب البالغ من العمر 23 عامًا، ليصبح أول شهداء انتفاضة الحوض المنجمي.

3 دقيقة

تلك الانتفاضة، التي اندلعت احتجاجًا على البطالة المزمنة، التهميش، والمحسوبية في شركة فسفاط قفصة، تركت جرحًا عميقًا في قلوب أهالي المنطقة. ذكرى هشام العلائمي تحوّلت إلى رمز للنضال وصرخة للعدالة لم تُسمع بعد.

تتذكر خولة العلائمي، شقيقته، بكل مرارة ذكرى وفاة أخيها وتقول إنها “ذكرى أصبحت عابرة وسط تجاهل المجتمع والدولة”.

في ذلك اليوم “المشؤوم”، تجمّع شباب عاطلون عن العمل في محطة الكهرباء عالية الضغط بتبديت، مطالبين بحقهم في العيش الكريم، وكان هشام من بين ثلاثة شبان تمسّكوا بخيوط الكهرباء، في فعل رمزي يعبّر عن إصرارهم على مواجهة الظلم. ورغم إطلاق قوات الأمن للغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، ظل هشام صامدًا.

وصل معتمد الرديف، محروسًا بسيارات الشرطة، رفقة مدير إقليم الحرس بالمتلوي وحارس المحطة، وفي لحظة مروعة، أمر المعتمد بتشغيل التيار الكهربائي، قائلا بعبارة قاسية: “رجّع الضو، خلّي يموت كي الكلب”. ضغط أحدهم على زر التشغيل، فصعق التيار هشام، الذي سقط شهيدًا أمام أنظار أصدقائه، وهرب المعتمد وقوات الأمن بعد إغراق المنطقة بالغاز المسيل للدموع.

خولة العلائمي، شقيقة هشام، في اتصال بكشف تقول بحرقة” “الناس تناست وتجاهلت الموضوع، أصبحت ذكرى عابرة. نحن ثمانية في العائلة، نعيش على ذكراه، لكن القضية المرفوعة ضد القتلة يبدو أنها قُبرت إلى الأبد. هشام العلائمي كان ضحية الدولة حيًا وميتًا”.

تضيف خولة، وهي تعبر عن شعورها بالعجز والخزي: “كلما حاولت الحديث عن هشام، أشعر أن كلماتي حشو ونفاق. أحس بالخزي والعار والخذلان، لأننا لم نكن في المستوى. الدولة خذلت شهداء الحوض المنجمي وضحاياه، لأننا لم نكن في المستوى”.

بوبكر بن بوبكر، أحد سجناء الحوض المنجمي، يشارك شعور الخذلان والعجز: “أفتقد روح الكتابة، تخونني الكلمات، أشعر أنني أخون ذكرى الشهداء إن تحدثت، وأخونهم إن صمت، أحس بالخزي والعار والخذلان لعجزنا عن نصرة قضيتنا”.

يعكس كلام بوبكر شعورا جماعيّا بين أهالي الحوض المنجمي، حيث يشعرون أن نضالهم لم يجد الدعم الكافي لتحقيق العدالة.

انتفاضة الحوض المنجمي، كانت صرخة ضد الفقر والبطالة في منطقة تعتمد على استخراج الفسفاط كمصدر اقتصادي رئيسي، لكنها شهدت قمعا عنيفا.

ومما زاد من شعور الأهالي بالخذلان أن القضايا المرفوعة ضد المسؤولين عن القمع، بما في ذلك قضية هشام، ظلت دون تسوية.

تتساءل خولة بحسرة عن مصير العدالة: “كيف يمكننا أن نتحدث عن بطولات الشهداء ونحن لم نستطع إنصافهم؟”

ذكرى هشام العلائمي ليست مجرد حدث عابر في تاريخ الحوض المنجمي، بل جرح مفتوح يذكّر بضرورة المحاسبة والعدالة. ولئن تناسى الجميع والمقرّبون الذكرى، فإن الأمل في المحاسبة باقٍ. وتبقى كلمات خولة صدىً لصوت هشام: “كان حيّا ضحية الدولة، وميتًا ضحية نسيانها”.

تنويه

بقلم

Picture of الهادي رداوي

الهادي رداوي

صحفي تونسي، أتابع قضايا الحقوق العامة والفردية ، وأناصر القضايا الإنسانية والاجتماعية . أؤمن بحقوق اللاجئين وأسعى لإلقاء الضوء على معاناتهم، مدافعًا عن العدالة والكرامة لكل إنسان.

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​