الحشرة القرمزية.. خطر يفتك بـ”سلطان الغلة” ومليارات مرمية على “الضلف”

حشرة بيضاء تغزو عديد المناطق في تونس وتثير الهلع، 10 ولايات من الجمهورية التونسية تم تصنيفها كمناطق موبوءة وخطر بات يشكل تهديدا مخيفا لـ "سلطان الغلة" وسط توقعات بأضرار كبيرة لهذه الفاكهة الموسمية وارتفاع في أسعارها هذه الصائفة.

9 دقيقة

حشرة بيضاء تغزو عديد المناطق في تونس وتثير الهلع، 10 ولايات من الجمهورية التونسية تم تصنيفها كمناطق موبوءة وخطر بات يشكل تهديدا مخيفا لـ “سلطان الغلة” وسط توقعات بأضرار كبيرة لهذه الفاكهة الموسمية وارتفاع في أسعارها هذه الصائفة.

الحشرة القرمزية انتشرت مؤخرا في عديد المناطق التونسية، وفتكت بمساحات كبيرة من التين الشوكي أو “الهندي” الذي يمثل “الكنز الأخضر” لتونس نظرا لدوره الهام في مكافحة التصحر حيث يمكنه النمو في المناطق الجافة ولا يحتاج الى الكثير من المياه، كما يمكن استخدامه في عدة مجالات كغذاء للإنسان أو كعلف للحيوان أو لتصنيع منتوجات علاجية وأخرى تجميلية عن طريق الزيوت التي يتم استخراجها من ثماره والتي أصبحت مصدر لإنعاش العجلة الإقتصادية في بعض المناطق المهمشة في البلاد .

هذه الآفة لم تلحق أضرارا بليغة فقط بنبتة “الهندي”، بل أصبحت تهاجم المنازل في شكل جحافل كبيرة من الحشرات “الوشواشة” مما أثار الرعب والخوف لدى عديد المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من انتشار هذه الحشرة في ظل تأخر السلطات في اتخاذ إجراءات للحد من انتشارها.

نعاني من مخلفات الحشرة القرمزية و الوشواشة ‘حرمت علينا حتى الأكل’ ولا من مجيب

وفي هذا الإطار، عبر أحمد بن بلقاسم، في تصريح لكشف ميديا مواطن من منطقة جبنيانة التابعة لولاية صفاقس، عن استيائه من تعامل السلطات الجهوية مع الحشرة القرمزية التي افتكت بـ”طوابي الهندي”.
وأضاف أحمد بن بلقاسم أن نبتة “الهندي” إضمحلت في المنطقة والأهالي يعانون من الوشواشة (ذكر الحشرة القرمزية) التي اجتاحت المنطقة بصفة كبيرة خاصة مع غروب الشمس متابعا “هذه الحشرة تمنعنا من فتح النوافذ وحتى الأكل في ظل ارتفاع درجات الحرارة”، وفق قوله.

وحمل أحمد بن بلقاسم المسؤولية للسلط المعنية والنواب المحليين في الجهة، الذين لم يولوا لهذه الآفة الأهمية اللازمة.

ماهي الحشرة القرمزية:

الحشرة القرمزية، المسمات علميا “Dactylopius opuntia”، تعتبر من الآفات الخطيرة بالنسبة لغراسات التين الشوكي إذ أنها تلحق أضرار بليغة بهذا النبات لكونها تمتص نسغ أو عصارة النبتة فتظهر على الألواح مناطق مصفرة تتسع شيئا فشيئا لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة.

تنتشر هذه الحشرة بسرعة كبيرة حيث يقوم الريح بحملها من مكان إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل هذه الحشرات عبر التصاقها بالآلات الفلاحية والشاحنات و أصواف الأغنام والأعلاف “التبن” القادمة من المناطق الموبوءة.

الحشرة القرمزية دخيلة على تونس

اجتاحت الحشرة القرمزية تونس عن طريق المغرب والجزائر وتتميز بسرعة انتشار رهيبة، حيث يمكنها أن تنتقل عبر التصاقها بالشاحنات وصوف الحيوانات وحتى العصافير يمكنها أن تنقل العدوى من المناطق الموبوءة إلى مناطق أخرى، وفق ما أفادنا به رمزي بن حمة، تقني بخلية الإرشاد الفلاحي بجبنياية التابعة لولاية صفاقس.

وأشار رمزي بن حمة، الى أن وزارة الفلاحة تعمل على مداواة المناطق الموبوءة وإزالة البعض الآخر خاصة تلك القريبة من المتساكنين نظرا الى أن ذكر هذه الحشرة قادر على الطيران ليصبح مصدر إزعاج للسكان.

10 ولايات موبوءة في تونس والحشرة القرمزية خرجت عن سيطرة الدولة

أفاد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالفلاحة البيولوجية عادل كريم، في تصريح لكشف ميديا، بأن الحشرة القرمزية قد دخلت لتونس في أوت سنة 2021، بإحدى المناطق التابعة لمعتمدية السواسي التابعة لولاية المهدية، حيث إكتشفها أحد الفلاحين صدفة بعد أن لاحظ بعض النقاط البيضاء على غراسات التين الشوكي، وقد أبلغ خلية الإرشاد الفلاحي بالسواسي والتي بدورها أبلغت المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالمهدية حيث تم رفع تقرير إلى وزارة الفلاحة، التي قامت ببعث فريق مختص لأخذ عينات من التين الشوكي لعرضها على التحاليل، ليتبين في ما بعد أنها الحشرة القرمزية.

وأشار كريم الى أن الغراسات الموبوءة في تلك الفترة كانت لا تتجاوز الـ 600 مترا، معتبرا أن تعامل وزارة الفلاحة مع هذا الوباء في تلك الفترة كان بطيء ولم تعطه الأهمية القصوى رغم خطورته وسرعة انتشاره، وقد اتخذت بعض الحلول لكنها كانت متأخرة مما أدى الى مزيد انتشار هذا الوباء في بقية المناطق المجاورة لمعتمدية السواسي ومن ثم الى كامل ولاية المهدية ثم الى بقية الولايات المجاورة على غرار القيروان وسوسة والمنستير وصفاقس مبينا أنه تم تصنيف 10 ولايات كمناطق موبوءة (المهدية والمنستير وسوسة والقيروان وسيدي بوزيد وصفاقس والقصرين وسليانة وزغوان ونابل).

وأضاف محدثنا أن مساحة التين الشوكي في تونس تبلغ تقريبا 600 ألف هكتار، وتحتل تونس المرتبة الثانية عالميا من حيث المساحة كما تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث قيمة الصادرات (التين الشوكي ومشتقاته)، معتبرا أن وباء الحشرة القرمزية اليوم خرج عن السيطرة ولن نتمكن من القضاء عليه وقد أصبح الأمر شبه مستحيل، وفق قوله.

واعتبر كريم أن ولايتي القصرين ونابل يعتبران من أهم الولايات من حيث قيمة التين الشوكي، حيث تقدر مساحة هذه الغراسات بولاية القصرين بين 100 ألف و120 ألف هكتار وهي مهيكلة نظرا الى أنها تعتبر مورد رزق للفلاحين.

نحو استيراد الدعسوقة المكسيكية للقضاء على الحشرة القرمزية

و بخصوص اللجوء الى استيراد الدعسوقة المكسيكية للقضاء على الحشرة القرمزية، اعتبر عادل كريم أن هذا الحل هو جزئي وليس كلي وشامل داعيا الى اعتماد الحل البديل وغراسة العينات الجديدة من التين الشوكي للقضاء على هذا الوباء، مبينا أن وزارة الفلاحة استجابت لهذا الطلب منذ حوالي 6 أشهر وقد تمت غراسة هذه العينات في 6 أو 7 مناطق من ولايات الجمهورية وقد كللت هذه التجارب بالنجاح بنسبة 90 بالمائة وقد أظهرت هذه العينات مقاومتها للحشرة القرمزية.

وطالب كريم وزارة الفلاحة بالتكثيف من هذه الغراسات وتوزيعها على الفلاحين داعيا الى الاستئناس بالتجربة المغربية في هذا المجال التي أثبتت نجاعتها.

“الدواء المعتمد لا ولن يجدي في مقاومة هذه الآفة”

من جهته، قال النائب بالبرلمان بلال المشري في كلمة له خلال الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 29 ماي 2024، إن أزمة الحشرة القرمزية إشتدت منذ العام الفارط.

 وأشار المشري إلى أن هذا الوباء تم اكتشافه لأول مرة في عدد من المناطق التابعة لولاية المهدية، وقد اقترحوا في تلك الفترة على وزير الفلاحة أن يتم حصر هذا الوباء والقضاء عليه ولكن بسبب سوء تصرف الوزارة في الأزمات أدى الى انتشار هذه الحشرة في مختلف ولايات الجمهورية.

وأضاف المشري أن ولاية المهدية تواجه اليوم بمفردها هذا الوباء بسبب فشل وزارة الفلاحة وسوء تقديرها لهذا الوباء مبينا أنه تم عقد جلسة بين عدد من نواب الجهات المتضررة ووزارة الإشراف وقد تم التأكيد على أن الدواء المعتمد لا ولن يجدي لكن 

“ككل المسؤولين الفاشلين تم الاعتماد على حلول ترقيعية مما جعل حياة عديد المواطنين في هذه الجهات تتحول الى جحيم بسبب هذه الحشرة والوزارة لم تتحمل مسؤوليتها وتعتمد سياسة النعامة”، وفق قوله.

كما بين المشري أن وزارة الفلاحة قامت في إحدى العمادات التي تحتوي على 1000 كلم من “الطوابي” من التين الشوكي، باقتلاع 1 كلم فقط وتركه بجانب المنازل .

 الكلغ الواحد من الحشرة القرمزية يصل إلى 30 ألف دينار ومليارات ملقاة على “ضلف الهندي”

قال المستثمر التونسي إيهاب سويلم في تصريح لكشف ميديا، إن الحشرة القرمزية هي المكون الأساسي للون الأحمر الذي يتم استعماله في صبغ العديد من المنتجات منها الصناعات الغذائية والملابس وغيرها ويطلق عليها اسم E120.

وبين سويلم أن تجارة هذه المادة منتشرة أكثر في دولة المكسيك ويتم تصديرها لمختلف بلدان العالم، حيث يقومون بإقامة مزارع خاصة لهذه الحشرة القرمزية عن طريق إفشائها عمدا على غراسات التين الشوكي ليتم استغلالها في مابعد وتصديرها للعديد من الدول بينها تونس.

وأضاف سويلم أن الحشرة القرمزية انتشرت في معظم ولايات تونس متابعا “نستطيع أن نستخرج منها كميات كبيرة جدا من المادة E120 وتصديرها خاصة وأن أسعارها مرتفعة جدا حيث تصل إلى 30 ألف دينارا للكلغ الواحد”، وفق قوله.

وتابع سويلم 

“المليارات اليوم ملقاة على “ضلف الهندي” في الطرقات”.

تونس تتسلّم 100 دعسوقة لمقاومة الحشرة القرمزية

من جهتها، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، الاثنين 24 جوان 2024، أن الجهة المعنية بمقاومة الحشرة القرمزية في تونس قد تسلمت مؤخرا زهاء 100 من حشرة الدعسوقة الكفيلة بالقضاء على هذه الحشرة التي تفتك بـ”الهندي” وذلك إثر طلب تقدمت به وزارة الفلاحة من أجل الحصول على المساعدة التقنية لمكافحة الحشرة القرمزية.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة، قد حذر في بيان سابق له في أكتوبر 2023، من الانتشار المخيف لآفة الحشرة القرمزية على أشجار التين الشوكي.

ودعا وزارة الفلاحة إلى التحرك العاجل من أجل تكوين خلية أزمة تقف بسرعة على خارطة انتشار الحشرة القرمزية في تونس وتحدد بدقة بؤر انتشارها من أجل توجيه التعزيزات اللازمة من معدات وأدوية للجهات المتضررة مع حث مختلف السلط الجهوية المتداخلة والتي من شأنها أن تساهم في مقاومة هذه الحشرة والحد من خسائرها محذرا من الكلفة الإقتصادية والإجتماعية الباهظة التي يمكن أن تنجر عن اقتلاع أو حرق أشجار التين الشوكي المصابة.

 

بقلم: هدى بوغنية 

إشراف وتدقيق: أيمن الطويهري

صور: نضال عثمان

تنويه

بقلم

Picture of هدى بوغنية

هدى بوغنية

صحفية تونسية متحصلة على الإجازة في الاتصال مهتمة بقضايا حقوق الإنسان و بالشأن العام

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​