أصدر مرصد رقابة أمس السبت 23 سبتمبر 2023 تقريرا مفصلا حول أسباب أزمة ندرة الكرّاس المدرسي المدعّم في البلاد في بداية هذا الموسم الدراسي والمواسم السابقة.
وبيّن التقرير كيف تعمل منظومة دعم الورق المدرسي ودور مختلف الفاعلين في هذه المنظومة: وزارة التجارة والمركز الوطني البيداغوجي ومختلف المطابع المكلفة بطباعة الكراس المدرسي، بالاضافة للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق التي تتولّى صنع الورق المعد لانتاج للكرّاس المدرسي من طرف عدد قليل من المطابع المحلية.
ومن أهم مخرجات هذا التقرير انه وغم تخصيص اعتمادات لدعم الورق المدرسي في ميزانية الدولة لسنة 2023 في حدود 35 مليون دينار أي بزيادة قدرها 250٪ مقارنة مع السنة المنقضية، إلا أن ذلك لم ينعكس على توفير كميات كافية من الكرّاس المدعّم في المكتبات في بداية هذا الموسم الدراسب نتيجة إنعدام للرقابة على تصنيع وتوزيع الكرّاس المدرسي، بعد أن تخلّلى المركز الوطني البيداغوجي منذ سنة 2019 عن هذه المهمة الموكولة له بمقتضى القانون 61 لسنة 1972 المحدث للمركز.
وأضاف مرصد الرقابة أنه توجه بطلب نفاذ إلى المركز وتلقى إجابة مفادها إحالة المهمة إلى مصالح وزارة التجارة دون أن مدّه بالسند القانوني والترتيبي لذلك مشددا على أن هناك تقصير كبير من وزارة التجارة في مراقبة المطابع ومسالك التوزيع وردع توزيع الكراس المدعّم في السوق الموازية وممارسات التهريب.
كما اعتبر أن الوزارة تخلت حتى عن واجبها في إعلام الرأي العام بالمعطيات حول الكميات المنتجة والمسوّقة من الكرّاس لصالح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الجملة والمواد المدرسية والمكتبية الذي أصبح مصدر المعلومة الوحيد تقريبا.
وأضاف المرصد “لدينا شهادات ميدانية عن وجود أشكال عديدة من التلاعب بدعم الورق المدرسي على مستوى المطابع ومصالح الوزارة، في علاقة بعمليات التكفل بفواتير شراء الورق في ظل ضعف الرقابة وانتقائيتها، وغياب المنافسة وانعدام الشفافية في منح كوتة طبع الكراس المدرسي لعدد محدود من المطابع دون تفعيل المبادئ العامة للشراء العمومي (المنافسة، حرية المشاركة، المساواة، وشفافية الاجراءات ونزاهتها)”.
وشدد المرصد على ان أهم سبب لندرة الكراس المدرسي في السنوات الأخيرة هو تدهور الإنتاج الوطني من الورق، الذي انهار بنسبة 90٪ سنة 2020 مقارنة بسنة 2018. لتسجّل سنتي 2021 و2022 صفر انتاج نتيجة توقف للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق تماما عن الانتاج. مما اضطر الدولة للتكفل بكلفة فارق سعر الورق المورّد في ظل ارتفاع الاسعار العالمية. وهذه السنة تم استئناف الانتاج دون ضمانات لتواصله في السنوات القادمة بسبب الوضع الكارثي للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق.
كما بين ان شركة حلفاء القصرين سجّلت إلى موفّى سنة 2021 خسائر متراكمة في حدود 530 مليون دينار معتبرا أن هذه الخسائر ناتجة أساسا عن عدم تغطية الإيرادات لتكاليف الإنتاج حيث لم تتجاوز نسبة تغطية إيرادات الاستغلال لأعباء الاستغلال سوى 3٪ فقط موفى 2021. ولم تتجاوز تلك النسبة 39٪ خلال الفترة الممتدة من سنة 2016 الى سنة 2021. وهذا ما يعني تمويل أكثر من 60 ٪ من نشاط الاستغلال بواسطة القروض طويلة وقصيرة المدى، وأغلبها قروض خزينة (من الدولة) بقيمة جملية بلغت موفّى سنة 2022 ما قدره 300 مليون دينار لعدم قدرة الشركة على الاقتراض من المؤسسات البنكية، علما وأن الشركة قامت خلال السنوات الماضية برهن أراضي بقيمة 77 مليون دينار وأصول تجارية ومعدات بمبلغ جملي قدر ب 55 مليون دينار للحصول على قروض من مؤسسات مالية.
واعتبر المرصد أن هذه الوضعية الكارثية هي بدرجة أولى نتيجة سوء الحوكمة وسوء التصرف والتلاعب بالمال العام والتلاعب بالصفقات والتعيينات العشوائية وكل أنواع الفساد الذي يرشحها للقب أكثر المؤسسات العمومية فسادا في البلاد. ورغم المهام الرقابية التي عدّدها التقرير، وكل الشكايات المودعة لدى القضاء، لم يتغير شيء في الشركة، وظلّت الى اليوم مناخات من الافلات من العقاب تهيمن على الأوضاع، خاصة وأنه عوض محاسبة المسؤولين المتورطين في تدمير الشركة خلال العشرية الماضية المتحالفين مع النقابات، وعلى رأسهم الرئيس المدير العام للشركة في سنوات الخراب (2022-2021) لبيد الغضباني فقد تمت مكافأتهم، وتمت تسميته منذ سنتين على رأس منشأة أخرى (الشركة التونسية للتنقيب).