السودان.. السفينة التي يتصارع عليها عسكرياَّن/تقرير

يعاني الوضعين السياسي والأمني في السودان منذ اندلاع الإحتجاجات ضد النظام الحاكم الحالي في أكتوبر 2021، بقيادة مجلس السيادة في السودان، بين قوى مدنية تحاول إبعاد العسكر عن المشهد السياسي و تحظى في ذلك بدعم إقليمي و دولي وبين قادة عسكريين متمسكون بمناصبهم القيادية وامتيازاتهم.

7 دقيقة

يعاني الوضعين السياسي والأمني في السودان منذ اندلاع الإحتجاجات ضد النظام الحاكم الحالي في أكتوبر 2021، بقيادة   مجلس السيادة في السودان، بين قوى مدنية تحاول إبعاد العسكر عن المشهد السياسي و تحظى في ذلك بدعم إقليمي و دولي وبين قادة عسكريين متمسكون بمناصبهم القيادية وامتيازاتهم.

تغييرات شكلية

بعد إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر2021، وحله مجلسي السيادة والوزراء وفرض حال الطوارئ، تبنى تحالف قوى الحرية والتغيير موقفا رافضا لأي حوار مع المكون العسكري  في المقابل أعلن البرهان في جويلية 2021 انسحابَ الجيش من العملية السياسية وترك المجال للقوى السياسية للتفاوض والتوصل إلى توافق وطني تحت ضغوط الشارع السوداني والقوى المدنية.

ووقع بالفعل التوصل الإتفاق بين غالبية قوى تحالف “الحرية والتغيير”، وقوى سياسية أخرى مع المكون العسكري، يهدف لتشكيل سلطة مدنية تقود المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية وصولاً إلى إجراء انتخابات عامة.

ووفق الأتفاق  هناك 4 مستويات للسلطة الانتقالية هي: 

المجلس التشريعي والمستوى السيادي

 مجلس الوزراء

المجالس العدلية 

المفوضيات المستقلة

وذلك لإدارة فترة انتقالية مدتها 24 شهرًا .

لكن وبالرغم من ذلك بقيت السلطة الفعلية لدى الجيش وهو الذي يمسك بكامل اللعبة السياسية في السودان.

السفينة لا يقودها ربانان

أفرزت الترتيبات العسكرية و الأمنية في السودان  بعد الإطاحة حكم عمر حسن البشير سنة 2019 تشكيل حكومة مشتركة من المدنيين والعسكريين، لكنها أسقطت لاحقاً بعد انقلاب عسكري آخر أكتوبر 2021.

التغييرات الجديدة في السودان أوجدت وضعا سياسيا و عسكريا خاصا حيث تصدّر المشهد قائدان عسكريان هوما عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، من جهة أخرى.

قوات الدعم السريع النشأة والأهداف

تشكلت قوات الدعم السريع عام 2013 وتعود أصولها إلى قوات الجنجويد التي قاتلت بضراوة المتمردين في دارفور.

ومنذ ذلك الحين، سعى الجنرال محمد حمدان دقلو إلى تأسيس قوات قوية تدخلت في صراعات في اليمن وليبيا وقد اتهمت الأمم المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك مجزرة بدارفور قتل فيها أكثر من 120 متظاهرا في جوان 2019.

مما جعل هذه القوات تتنمى أكثر وتشتد خارج أطر الجيش وبعيدا عن مراقبته بل وأصبح يُنظر لها على أنها مصدر لعدم الاستقرار في البلاد . وجاءت الترتيبات العسكرية و الأمنية التى رافقت الفترة الانتقالية حيث حدد الاتفاق ضرورة وجود 4 مجموعات عسكرية تمثل الأجهزة النظامية، وهي القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، والشرطة، وجهاز المخابرات.

وأشار الاتفاق المبرم إلى أن قوات الدعم السريع، وهي تشكيلات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها، يكون رأس الدولة قائدًا أعلى لها، حيث سيتم دمج عناصرها ضمن   القوات المسلحة وفق الجداول المتفق عليها يقود إلى تكوين جيش مهني قومي واحد

إلاّ أنّ الخطوة تأخرت ولم ترى النور مما سرّع في ظهور خلاف بين قائد الجيش والرئيس الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان و غريمه الحالي نائبة و قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي

التنافس المحموم على السلط

اختلاف البرهان و حميدتي  كان أساسا على الاتجاه العام  لتسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني.

حيث يرى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو أنّ تبعية قواته وفق الإتفاق الإطاري لرئيس الوزراء المدني على أن يتم دمجها لاحقا في للجيش على مراحل تدوم لعشر سنوات. 

بينما اعتر الجيش  ومن ورائه الرئيس الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان على هذه الفقرة لأنها حسب تفسيره تعني وجود جيشين بقيادتين مختلفتين. أحدهما وهو الجيش القومي، يتبع القائد العام وهو عسكري، بينما الجيش الآخر هو قوات الدعم السريع، ويتبع رئيس الوزراء المدني، كما يطالب الجيش بأن يكون الدمج خلال سنتين وبتبعية قوات الدعم السريع إلى القائد العام منذ اليوم الأول من توقيع الاتفاق الإطاري.

السودان بلد الانقلابات

عاش السودان منذ استقلاله سنة 1956 إلى 15 انقلابا عسكريا من قبل الجيش وهي ظاهرة إفريقية بارزة مما يعني أنّ ما قام بيه الجيش وقوات الدعم السريع للانقضاض على السلطة لم يكن مستغربا في الواقع السياسي والعسكري السوداني. 

وبالعودة إلى بداية اندلاع الصراع فقد انطلقت أعمال العنف بعد أيام من التوتر  بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع الذي عمد إلى نشر عناصره حول العاصمة الخرطوم ومدينة مروي خطوة أغضبت الجيش و رأى فيها تهديدا لهيبته ولكيان الدولة..

و رغم ارتفاع أصوات تنادي بالمصالحة لتطويق الصراع أملا في  إيجاد حل عبر الحوار، لكن ذلك لم يحدث حيث كانت أصوات الرصاص أسرع من أصوات التهدئة..

من أطلق الرصاصة الأولى

تبادل الطرفان الإتهامات بالبدء في إطلاق النار ولم يعرف لحد اللحظة من المبادر بهذه الخطوة لكن الشيء الوحيد الموثق هو أنه صبيحة يوم السبت 15 من أفريل 2023 دخل السودان في دوامة حرب ضروس تبشّر بعودة الحرب الاهلية التى حسب السودانيون أنها طويت صفحاتها بإمضاء اتفاق السلام بين الشمال و الجنوب، لكن ما جرى مؤخرا  ينبئ بمخاوف جدية من انزلاق وتفاقم الأوضاع غير المستقر أساساًإلى مربع التناحر المجهول..

في الأثناء حثت أوساط دبلوماسية إقليمية و دولية الطرفان على وقف إطلاق النار.

إلاّ أنّ استمرار القتال قد يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات وإلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد.

حيث مازالت الأعمال القتالية متواصلة والتصريحات و التصريحات المضادة بين هذا الطرف وذاك في غضون ذلك يجد السودانيون أنفسهم أمام مرحلة أخرى من عدم اليقين مع غياب الأمن والإستقرار. 

الوضع الإنساني متدهور

على المستوى الإنساني شهدت الأوضاع بالعاصمة السودانية الخرطوم في ظل الاشتباكات تدهورا متسارعا على ضوء ارتفاع الحصيلة البشرية للصراع حيث أكدت نقابة أطباء السودان سقوط ما لايقل عن 100 ضحيّة ومئات الجرحى وسط تحذيرات بتصاعد الضغط على المستشفيات فضلا عن نذر أزمة مياه ستشهدها العاصمة  قريبا.

وقد طلبت نقابة الاطباء في السودان من الكوادر الطبية و شبه الطبية ضرورة مؤازرة العمل الميداني لإسعاف المصابين و الجرحى.

في سياق متصل  أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان لها نفاد الإمدادات الطبية التى وزّعتها على المرافق الصحية قبل التصعيد العسكري بين الطرفين. وأوضحت أن حركة الأطباء والممرضين وسيارات الإسعاف في الخرطوم مقيدة بسبب العمليات الحربية.فيما حثت الأطراف المتنازعة إلي احترام حيادية الرعاية الصحية وعدم استهداف المرافق الصحية أو المصابين.

تُنذر الأزمة السودانية الحالية بانهيار الأوضاع الأمنية و السياسية الرخوة بطبيعتها في حال عدم إستماع القادة السودانيين إلى نداءات الحوار و التفاهم مع تزايد المخاوف من انزلاق البلاد نحو  مربع الإحتراب الأهلي. وسط انشغال العالم بأزماته الغذائية و الحرب بين روسيا و أوكرانيا بالاضافة إلى التنافس الصيني الأمريكي على زعامة العالم. فهل يتوقف المتصارعون على السيادة في السودان لبرهة وتحكيم العقل قبل فوات الأوان؟ 


إشراف عام

خولة بوكريم

تنويه

بمشاركة

لا يوجد مساهمين

مقالات مشابهة​