صدرَ بالرائد الرسمي بتاريخ أمس الخميس 9 مارس 2023 المرسوم عدد 9 لسنة 2023 مؤرخ في 8 مارس 2023 يتعلق بحلّ المجالس البلدية، وينص الفصل الأولُ منه على أن يتم حلّ جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب مجالس بلدية جديدة.
كما نص الفصل الثاني على أن يتعهد المكلف بالكتابة العامة للبلدية، تحت إشراف والي الجهة، مهمة تسيير الشؤون العادية للبلدية وإدارتها، وعلى أن تُلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا المرسوم وفق الفصل الثالث منه.

ويعتبر المجلس البلدي واحدا من أهم أركان عناصر تحقيق السياسات العامة للبلدية ، لما يتمتع به من دور واضح في رسم السياسات ووضع الخطط وتقرير المشروعات في كل ما يتعلق بمهام ومجالات نشاط البلدية العمراني والبيئي والصحي وغيرها
كما تعني النيابة الخصوصية مجلس غير منتخب تتم تسميته بمقتضى أمر في حالة حل المجلس البلدي أو استقالة كافة أعضائه المباشرين أو تعذر تكوين مجلس بلدي.
وتقوم النيابة الخصوصية ورئيسها بنفس وظائف المجلس البلدي ورئيسه وفقا للصفحة الرسمية لبلدية قبلي.
حلً المجالس البلدية اعتبره المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للبلديات التونسية، “خرقا لمجلة الجماعات المحلية”، خاصة قبل مدة قصيرة من انتهاء مدتها القانونية مبينا أن القانون حصر الامكانية وفق الفصل 204 في حالات محددة تتعلق بالإخلال الخطير بالقانون أو بتعطيل واضح لمصالح المتساكنين.
وأشارت الجامعة في بيان لها اليوم الجمعة إلى أن الإطار القانوني المنظم للانتخابات البلدية يجب أن “يحافظ على مختلف المكتسبات المحققة وأهم المبادئ التي ارتكز عليها عمل المجالس البلدية طيلة المدة النيابية من تسيير حر واستقلالية وشفافية وتشاركية”.
من جهته علق القاضي المعفى حمادي الرحماني على القرار معتبرا إياه، “قرارا فوقياً الغاية من هدم ما تبقى من مؤسسات الدولة الشرعية والمنتخبة والواقع إرسائها بعد الثورة بإرادة شعبية على أنقاض مجالس صورية معينة”.
في المقابل اعتبر أمينٌ مال الجامعة الوطنية للبلديات و رئيس بلدية وادي الليل رضا اللوح، في تصريح لكشف ميديا، أن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد حول تعويض المجالس البلدية بنيابات خصوصية لا يستقيم من خلال تكليف الكاتب العام، نظرا وأن النيابات لا يمكن الحديث عنها إلا في حال وجود رئيس وأعضاء.
رضا اللوح: حل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية هو ضرب لإستقلالية البلديات و اللامركزية في البلاد و يلحق البلديات إلحاقا كاملا بالسلطة المركزية
من جهتها اعتبرت منظمة أنا يقظ أن قرار حل المجالس البلدية
وتعويضها بنيابات خصوصية هدما لمسار انطلق منذ خمس سنوات استثمرت فيه الدولة من أموال دافعي الضرائب بهدف تقليص الهوّة بين المواطن والدولة وتقريب الخدمات منه عملا بمبدأ التفريع، كما دعت المجالس البلديّة إلى الطعن في هذا الإجراء أمام المحكمة الإداريّة
منظمة أنا يقظ: حلّ المجالس البلديّة في كامل تراب الجمهورية و تعويضها بنيابات خصوصية خرق للفصل 204 من مجلّة الجماعات المحليّة
وينص الفصل 204 من مجلة الجماعات المحلية على إمكانيات حلّ المجلس البلدي إذاَ استحالَ اعتماد حلول أخرى وبمقتضى أمر حكومي معلّل بعد استشارة المجلس الأعلى للجماعات المحلية وبناءً على رأي المحكمة الإدارية العليا ولأسباب تتعلّقٌ بإخلال خطير بالقانون أو بتعطيل واضح لمصالح المتساكنين وذلك بعد الاستماع إلى أعضائه وتمكينهم من حق الدفاع.”
وصدرت مجلة الجماعات المحلية في 9 ماي 2018 تزامنا مع أول انتخابات بلدية في تونس بعد الثورة وفقا للجامعة الوطنية للبلديات التونسية كما صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 15 ماي 2018 القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 و المتعلق بمجلة الجماعات المحلية
وقد مرت البلديات في تونس، بعدة مراحل بعد 14 جانفي 2011، أولها حل المجالس البلدية التي تم “انتخابها” في 2010، وتعويضها بنيابات خصوصية غير المنتخبة، والتي لها نفس صلاحيات المجالس البلدية، والتي تتكون من أشخاص يتم عليهم الاتفاق بالتشاور مع والي الجهة، لتتم بعد ذلك تسميتهم بأمر حكومي، و تكمن ضرورة تركيز النيابات الخصوصية في ضمان القدرة على أخذ القرار دون اللجوء إلى الوالي.
ويأتي قرار قيس سعيّد بحلّ المجالس البلدية في سياق عام تدقّ فيه الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ناقوسَ الخطر من فرضية وجود “مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس” وذلك مع اقتراب انقضاء المدة النيابية للمجالس البلدية المنتخبة (2018-2023)، باعتبار أنَّ الموعد المفترض للانتخابات البلدية القادمة هو 12 جوان 2023 وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي.
وجرت الانتخابات البلدية الأخيرة في 6 ماي 2018 ، وشملت 350 بلدية، تضم 7190 عضو مجلس بلدي، بعد سنوات من إدارتها من قبل نيابات خصوصية. وجرى التصويت في تلك الانتخابات وفق أحكام مجلة الجماعات المحلية وحسب نظام القائمات، وشاركت فيها قائمات حزبية وأخرى مستقلة.
من جانبه قال القاضي عفيف الجعيدي، مستشار لدى محكمة التعقيب إنَّ حل المجالس البلدية لا يضر كثيرا بالأداء اليومي للبلديات في أدوارها الكلاسيكية لكنه سينهي للأبد فكرة المبادرة ومحاولة التطوير وصناعة التغيير بإمكانيات محدودة.
وسبق أنَّ نبّهَ رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ورئيس بلدية رواد، عدنان بوعصيدة، في 30 ديسمبر 2022، إلى أنّ “كل المؤشرات تدل اليوم على مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس”.
وشدد عدنان بوعصيدة،على أن نسف السلطة المحلية والعودة إلى قانون سنة 1975 المتعلق بالبلديات، بات واردًا منذ قرار إلغاء وزارة الشؤون المحلية وإحالة جميع هياكلها إلى وزارة الداخلية التونسية، وفق تقديره.
وينص القانون المؤرخ سنة 1975 المتعلق بالبلديات على أن “البلدية تحدث بأمر باقتراح من وزير الداخلية بعد أخذ رأي وزيري المال والتجهيز وينص الأمر المحدث لها على اسمها ومقرها ويضبط حدود منطقتها”، أي أنها لا تحدث بناء على انتخابات بلدية، مع الإشارة أن أول انتخابات بلدية في تونس انتظمت في 6 ماي 2018
وجاء قرار حل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية من طرف رئيس الجمهورية قيس سعد لدى ترؤسه مجلس الوزراء يوم الأربعاء 8 مارس 2023، حيث أعلن عن النظر في “نصّ يتعلق بحلّ المجالس البلدية كلّها وتعويضها بنيابات خصوصية
قيس سعيّد: “المعركة التي نقودها بالقانون ضد الذين عاثوا في البلاد فسادًا ستستمرّ بنفس القوة وبنفس العزم”

من جهته قال عدنان غرس لحمر مساعد رئيس بلدية الهوارية في تصريح لكشف إن خطاب رئيس الجمهورية و قراراته يوم 8 مارس، لم تكن مفاجئة إنما هي منتظرة، مضيفا أن عهدة المجالس البلدية تعتبر منتهية و كان من المفترض أن ينطلق مسار الإنتخابات البلدية منذ شهر فيفري عبر الإعلان عن القائمات و صدور تنقيحات إن كانت لازمة كما اعتبر أن قرار الرئيس ظالما لحد ما.
من جانبه اعتبر المنسق العام لإئتلاف صمود حسام الحامي في تصريحه لكشف أن قرار قيس سعيد الذي جاء قبل شهرين من موعد الإنتخابات البلدية لم يكن الهدف منه إصلاح الوضع بالبلديات بل إنهاء عملها و وجودها و تعويضها بالمجالس المحلية التي تندرج ضمن مشروع البناء القاعدي الخاص به، مضيفا أنه قرار سياسي لا علاقة له بالإصلاح.
يذكر أن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد أمرت بتقديم رئيس إحدى البلديات بالجهة من أجل مخالفة القرارات الصادرة ممن له النظر، وفق ما أفاد به،المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد والناطق الرسمي لها جابر غنيمي كما دعا والي تونس المؤسسة الأمنية إلى حماية مقرات البلديات والمؤسسات الراجعة إليها بالنظر من “كافة الاعتداءات التي يمكن أن تطال رؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية وكافة العاملين”.