بحلول شهر سبتمبر انقضى فصل الصيف و ذهبت معه السهرات و الأنشطة الليلية، صيف 2021 كان استثنائيا هذه السنة فقد خيم شبح كورونا على البلاد وتمكنت الإجراءات الصحية المتخذة من شلّ الحياة الطبيعية في مثل هذه الفترة من الزمن و تأثرت الحركة السياحية والأنشطة التجارية المطعمية خاصة في المدن الساحلية .
في مستهلّ شهر أوت تم تقليص حظر التجوال ليصبح ابتداء من الساعة العاشرة مساء ثم تم تخفيف ساعتين من مدة الحظر ليصبح انطلاقا من منتصف الليل في 18 أوت وقد تم رفعه نهائيا يوم 24 سبتمبر 2021 وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.
عبد السلام المهري، 40 سنة، صاحب مقهى وسط سوسة، في حديثه لكشف ميديا كان متذمرا من الإجراءات والبروتوكولات الصحية والمراقبة الاقتصادية.
تعرضتُ في مناسبتين إلى تحرير مخالفة بتهمة مخالفة البروتوكولات المعلنة عنها في فترات مختلفة من انتشار كوفيد19.

المخالفة الأولى تمثلت في .تمكين الزبائن من الجلوس على الكراسي في حين تم الأمر برفعها في وقت سابق، أما المخالفة الثانية فتمثلت في استقباله الزبائن و تجاوز الساعة العاشرة ليلا، زمن حظر التجول الذي ألغي في 24 سبتمبر.
يقول عبد السلام المهري :
إن إجراءات رفع الكراسي و غلق المحلات مبكرا قد تسبب لنا في خسائر كبيرة مما دفعنا إلى العمال إلى التناوب على العمل يوما بيوم، و تقاسم بعض المرابيح التي شح مقدارها .
ويشير المهري إلى تراكم فواتير الكهرباء و الماء و خلاص حصص التغطية الاجتماعية و الأداءات، التي لم تنقطع يوما زمن الكورونا أو قبله. هي مصاريف قارة أثقلت كاهلهم.
لم نستطع الالتزام بها بشكل كامل مما أدى إلى تثقيل إتاوات إضافية و هذا ما يدفعنا إلى الافلاس التدريجي و خسارة مورد رزقنا الوحيد.
الحظر الليلي الذي رفع منذ يوم واحد، عطَّل العديد من المرافق السياحية و المطعمية المتصلة بالأنشطة الصيفية و تضررت منه العشرات من النزل و المطاعم و الملاهي و أحالت الآلاف من العاملين على البطالة الاضطرارية .

كما تعرضت العديد من المؤسسات إلى العقوبات بسبب مخالفتها للبروتوكولات الصحية و خرق حظر التجوال الليلي مما تسبب في حالة احتقان لدى المنتسبين إلى قطاعات عديدة من بينها خدمات النزل و المطاعم السياحية و المهن الموسيقية و المهن الليلية بصفة عامة .
مدينة سوسة، القلب النابض للسياحة في الساحل تأثرت بشدة بتداعيات جائحة كوفيد وآثارها الصحية و الاجتماعية و الاقتصادية. كما عرفت المدينة سوسة خلال الصائفة الأخيرة، حملات أمنية واسعة لفرض القانون على المخالفين للإجراءات الوقائية الحكومية فتم مداهمة عدد من المطاعم الليلية المخالفة و المنتجعات السياحية الغابية مما أدى إلى تتبعات عدلية في شأن عدد من المسؤولين في هذه المنشآت بلغت حد الاحتفاظ بعدد منهم و إيداعهم السجن ، مثلما حدث بإحدى الإقامات الغابية في منطقة القلعة الكبرى و أحد الملاهي الليلية في شط مريم .
بحسب احصائيات وزارة السياحة التونسي، تعدٌ المطاعم السياحية المصنفة من قبل الديوان الوطني التونسي للسياحة 373 مؤسسة سياحية بطاقة استيعاب تقدر ب 37 ألف و365 مقعدا، وبرقم معاملات يتجاوز 378 مليون دينار سنويا. غير أن جائحة كورونا قد قلصت من عدد المؤسسات التي آلت إلى الإفلاس و سرحت مئات العملة و تسبب في تراجع مداخيلها و مساهمتها في الدورة الاقتصادية .
علي بن يحي رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة بسوسة في لقاء له مع كشف ميديا تطرّق إلى هذه الأزمة في القطاع المطعمي و السياحي واعتبر أن قرارات الإغلاق المتتالية و فرض الحجر الصحي الشامل في ولاية سوسة بداية هذه الصائفة قد أحال العديد من المؤسسات على الإفلاس و فرغت النزل من نازليها و خلت المطاعم من زائريها فصارت العديد من المنشآت تستجدي الدولة من أجل التدخل لديمومة المؤسسة و لكن دون جدوى .
وأضاف بن يحي:
إن المهن المتصلة بالأنشطة السياحية و المطعمية عديدة من بينها التنشيط السياحي و المهن الليلية قد أصيبت بالشلل مما دفع بالعديد منهم إلى البحث عن مورد رزق آخر ، و نحن وقعنا في إحراج شديد كهيكل مهني من أجل بلوغ حلول وسطية تهدف أساسا إلى ديمومة الإنتاج و الشغل مع احترام البروتوكولات الصحية.

أما أحمد بو بكر، 50 سنة، أحد أرباب المطاعم السياحية بمنتجع القنطاوي، تحدث بدوره عن الأزمة الاقتصادية التي أصابت المستثمرين في منتجع القنطاوي. وكيف كان رقم الوافدين في فصل الصيف يعدّ بملايين الزائرين من التونسيين و الأجانب و خاصة من الجزائريين و الليبيين.
هذه الأزمة الصحية العالمية التي حلت بنا حولت أحلامنا إلى كوابيس ، فاليوم الإقامات الخاصة خالية من المصطافين و المحلات التجارية مغلقة و يخيم شبح الليل باكرا فتفرغ الطرقات من السيارات و يلتزم العدد من السياح القادمين إلى منتجع القنطاوي بغرفهم داخل النزل و يمنع عنهم الخروج بموجب قرارات حظر التجول . وحتى بعد رفعه فإن مداخيل فصلي الخريف والشتاء لا تقارن بالصيف.
يؤكد أحمد أنه و مجموعة من اصحاب المطاعم والنزل تواصلوا مرارا مع وزارة السياحة ولكن دون جدوى، واعتبر ما أقدمت عليه السلطات من إنفاذ قرارات الغلق في شأن المخالفين قد دفعت الباقين إلى تسريح العمال وغلق موارد الرزق مؤقتا .
و لفت أحمد بوبكر النظر إلى أن الانتظار قد طال من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية ، و أن الحملات الأخيرة للتلقيح قد تساعد على التسريع بإنقاذ ما تبقى من هذه السنة التي تعتبر الأسوأ على الإطلاق محاسبيا “.
المندوب الجهوي للسياحة بسوسة توفيق القايدي في تصريحه لـ”كشف ميديا” يؤكد تسجيل 202 رحلة جوية سياحية حملت 39354 سائحا توزعوا بين نزل سوسة و القنطاوي بين 29 أفريل و 15 سبتمبر الجاري. بالاضافة إلى تسجيل نسبة 28.1 بالمائة ارتفاعا في عدد الليالي المقضاة مقارنة بسنة 2020 .
مضيفا:
إن هذا التحسن الطفيف مقارنة بسنة 2020 لا يعكس الحجم الحقيقي لطاقة الاستيعاب القصوى للمرافق السياحية و النزل بسوسة غير أن جائحة كورونا كان لها التأثير الكبير على الخدمات السياحية و المطاعم المصنفة .
عمر البلهوان ناشط في المجتمع المدني في لقائه بكشف ميديا أشار إلى أن العملة في القطاع السياحي من مقاهي و مطاعم و ملاهي ليلية يعتبرون الحلقة الأضعف في مجابهة تداعيات وباء كورونا ، لأن المئات منهم قد فقدوا مواطن شغلهم و من بقي منهم ضمن دائرة العمل لا يتمتع بأجرته كاملة .
“سياسات النوم الباكر” كما أراد إطلاقها عدد من العاملين في القطاع السياحي كانت لها تبعات سلبية على مواردهم المالية و بالتالي تدهور مقدراتهم الشرائية و الحياتية في ظل تراجع مداخيل المؤسسات التي يعملون بها ، و هذا ما دفعهم إلى الاحتجاج في عديد المناسبات أمام مقر ولاية سوسة و رفع الشارات الحمراء خلال العمل و المطالبة بالدعم المادي من الدولة و رفع القيود المفروضة. ويبقى السؤال اليوم مع رفع حظر التجول هل وضعت رئاسة الجمهورية المؤسسة التي تسير البلاد اليوم في حسابتها خطة إنقاذ لأصحاب النزل والمطاعم خاصة الصغيرة؟
بالشراكة مع منظمة « صحافيون من أجل حقوق الإنسان » الشؤون الدولية/كندا